ملازما للمفسدة أو من سنخها، قال شيخنا الأعظم قدس سره: (إذ مجرد فوات المنفعة عن الشخص وكون حاله بعد الفوت كحاله في ما قبل الفوت عليه لا يصلح وجها لالزام شئ على المكلف ما لم يبلغ حدا يكون في فواته مفسدة...).
وعليه لابد من توجيه ما اشتهر من تبعية الأوامر للمصالح والنواهي للمفاسد بعد اشتراكها في الحفاظ على المقدار اللازم، بأن الواجب ما يكون له دخل في تحقق المرتبة اللازمة من الكمال، أو في حفظها، والحرام ما يكون له دخل في منع تحقق المرتبة المذكورة، أو رفعها، فمثلا لو فرض أن مرتبة من نشاط المزاج لازمة الحفظ، فالواجب ما كان محققا لها من دواء أو مبقيا لها من غذاء، والحرام ما كان مانعا منها أو رافعا لها. وما لا دخل له في المرتبة المذكورة، بل هو دخيل بأحد النحوين في المرتبة الزائدة عليها يكون مستحبا أو مكروها.
ولا يبعد أن يكون ذلك هو المراد بالمصلحة في القاعدة المشار إليها، حيث لا ريب في عدم نهوضه مهما كان مهما بمزاحمة المرتبة اللازمة المذكورة.
وعليه ترجع القاعدة إلى ترجيح التكاليف الالزامية على غيرها، لا ترجيح التحريم على الوجوب.
وثانيا: أن القاعدة المذكورة لو تمت فهي من القواعد الواقعية الراجعة إلى ترجيح دفع المفسدة على تحصيل المصلحة في فرض التزاحم بينهما، وليست من القواعد الظاهرية الراجعة إلى تقديم احتمال المفسدة على احتمال المصلحة عند الدوران بينهما، لتنفع في ما نحن فيه، لما هو المرتكز من أن منشأ الأولوية أهمية المفسدة من المصلحة، ومن الظاهر أن أهمية أحد التكليفين إنما تقتضي ترجيح الأهم عند التزاحم، لا تقديم احتماله على احتمال المهم في ظرف الدوران بينهما.
بل لما كان في احتماله زيادة كلفة لم يبعد جريان الأصل لنفيها، كما هو المناسب لجريان الأصل في نفيه من رأس لو لم يعارض باحتمال تكليف آخر،