البحث الفقهي بصورة عامة، فقد كان البحث الفقهي - كما استعرضنا ملامحه بإجمال - في مدارس (المدينة والكوفة وقم) لا يخرج عن حدود استعراض السنة ونقل الحديث، ولم يبلغ رغم تطور الدرسة في عهودها الثلاثة مرحلة الرأي والاجتهاد.
ولم نلمس في هذه العهود الثلاثة ملامح عن الصناعة الفقهية والأصولية فيما بين أيدينا من آثار عصور الفقه الثلاثة الأولى بشكل ملموس واضح الملامح.
ولأول مرة يلمس الباحث آثار الصناعة والصياغة الفنية، والاجتهاد والرأي والتفريع في كتابات هذا العصر، ولا سيما كتب المرتضى الأصولية وكتب الشيخ الفقهية والأصولية.
ولو حاول الباحث أن يدمج العصور الأولى بعضها في بعض، ويعتبر هذه الفترة فاتحة عصر جديد ومدرسة جديدة في الفقه لم يبتعد كثيرا عن الصواب.
ومهما يكن من أمر فلنحاول أن ندرس ملامح هذه المدرسة مرة أخرى، ليتاح لنا أن نقيس بدقة أبعاد هذه المدرسة، ونضع لها حدودا تفصلها عن المدارس السابقة عليها واللاحقة لها.
وأولى هذه الملامح أن الفقه خرج في هذا الدور عن الاقتصار على استعراض نصوص الكتاب، وما صح من السنة إلى معالجة النصوص، واستخدام الأصول والقواعد، فقد كانت مهمة البحث الفقهي في الأدوار السابقة عرض النصوص وفهمها وتذوقها.
ولأمر ما يطلق على هذا العلم اسم " الفقه "، فالفقه هو الفهم، ومهمة الفقيه قبل هذه المرحلة ما كانت تتجاوز في الأعم الأغلب فهم النصوص الصحيحة وتذوقها.
وفي هذه المرحلة انقلبت عملية الاستنباط إلى صناعة عملية لها أصولها وقواعدها، وانفصل البحث الأصولي عن البحث الفقهي وأفرد بدراسات ومطالعات خاصة، وقام البحث الفقهي على نتائج هذه الدراسات والمطالعات