ولأول مرة في تاريخ الفقه الجعفري يلمح الانسان ملامح الصناعة في كتابات الشيخ الطوسي الفقهية، وطبيعي أن الصناعة الفقهية في هذه الفترة كانت تطوي مراحلها البدائية، ولكنه مع ذلك كانت بداية لعهد جديد، وخاتمة لعهد مضئ.
ولأول مرة في هذا الدور قام السيد المرتضى بمحاولة دراسة المسائل الأصولية مفصولة عن الفقه بصورة موضوعية، وتنقيح المسائل الأصولية في كتب ودراسات مستقلة، إلا أنها كانت مع ذلك بدائية ولم تتجاوز في غالب الأحوال مباحث الألفاظ، من الأوامر والنواهي ودلالات هيئات الألفاظ وموادها وبعض المباحث العامة من الأصول.
وظاهرة ثانية من ملامح هذا العصر هو تفريع المسائل الفقهية واستحداث فروع جديدة لم تتعرض لها نصوص الروايات، وكان البحث الفقهي - فيما سبق هذا الدور لا يتجاوز حدود بيان الحكم الشرعي باستعراض الروايات الواردة في الباب.
ولم نعهد من أحد من الفقهاء المتقدمين على هذا العصر محاولة معالجة فروع جديدة لم تتعرض لها الروايات.
والسر واضح، فلم يقدر لفقه أهل البيت أن يدخل قبل هذا العصر دور المعالجة والصناعة وتفريع فرع على فرع آخر أو قاعدة شرعية يحتاج إلى شئ أكثر من استعراض نصوص الأحكام والقواعد، ولا يتم ذلك عادة من غير المعالجة والصناعة. وهذا ما لم يتوفر للبحث الفقهي قبل هذا العهد:
وربما يصح أن نقول: إن الشيخ الطوسي كان أول من قام بهذه التجربة في كتابه المبسوط، فقد ذكر في أول الكتاب أن الذي دعاه إلى تصنيفه أن الإمامية لم يكونوا يفرعون الفروع إلى زمانه، وكانوا يقفون عند النصوص التي وصلت إليهم عن المتقدمين من المحدثين، وكان ذلك من دوافع الطعن على فقه أهل البيت، فقام بهذه المحاولة لسد هذا الفراغ في البحث الفقهي.