والظاهرة الثالثة من ملامح هذا العصر هو ظهور الفقه المقارن أو الخلافي.
فحينما تمركزت مدرسة أهل البيت في الفقه في بغداد برزت المسائل الخلافية بصورة حادة، وأدى ذلك إلى اختلاف الفقهاء وبروز المسائل الخلافية في الفقه وأصوله بشكل مثير للانتباه، ومثير للخلاف، وكان للعامل السياسي دور مؤثر في ذلك، ومهما يكن من أمر، ومهما كانت الدوافع السياسية التي كانت تثير هذه المسائل، فقد أدى ذلك إلى خصوبة البحث الفقهي، فالخلاف قد يؤدي إلى الخصوبة، لا العقم، ويدل على خصوبة الذهنية لا عمقها.
وكان من آثار ظهور الخلاف بين الفقه الإمامي والمذاهب الفقهية الأخرى واتساع رقعة الخلاف بينها أن تفرغ فقهاء الشيعة لبحث المسائل الخلافية بصورة موضوعية وبشكل مسهب.
وظهر هذا النوع من البحث الفقهي لأول مرة في هذا العصر على يد المفيد والمرتضى والطوسي.
وتوسع الشيخ الطوسي بشكل خاص لدراسة هذا الجانب من البحث الفقهي في كتابه الكبير " الخلاف " تناول فيه المسائل الفقهية الخلافية بين الشيعة والسنة في مختلف أبواب الفقه، وتعرض في كل مسألة لما يسند الجانبين من الأدلة، وناقش آراء هذه المذاهب في كثير من المسائل. والكتاب - رغم قدمه - قيم لا يستغني عنه فقيه.
وكان من هذا القبيل استعراض المسائل التي تنفرد فيها الشيعة برأي والاستدلال له والانتصار لمذهب أهل البيت فيها.
وفي هذا الفن من فنون الفقه كتب السيد المرتضى كتاب " الإنتصار " ويقال له " متفردات الإمامية " صنفه للوزير عميد الدين في بيان الفروع التي شنع على الشيعة بأنهم خالفوا فيها الاجماع.
ومن هذا القبيل أيضا كتاب " الاعلام فيما اتفقت الإمامية عليه من الأحكام مما اتفقت العامة على خلافهم فيه " للمفيد، ألفه بطلب تلميذه المرتضى.