وظاهرة رابعة من ملامح هذا العصر ظهور الاجماعات والاستدلال بها، ولا نريد هنا أن نتحدث عن حجية الاجماع وما قيل أو يقال فيه، فذلك كله خارج عن مهمتنا في هذا البحث.
وما يهمنا أن نشير إليه هو أن توسع البحث الفقهي وتكامله دفع الفقهاء إلى استخدام الاجماع فيما إذا لم يجدوا في المورد نصا أو لم يقتنعوا بسلامة النص من حيث السند أو الدلالة.
وقالوا: إن في إجماع فقهاء المذاهب عامة أو فقهاء الطائفة في عصر واحد دليلا على وجود نص شرعي يجوز الاعتماد عليه، غاب عنا فيما فقدناه من النصوص، ولا يمكن أن يجمع فقهاء المذاهب على حكم من دون وجود نص على ذلك ولا يمكن أن يخطأ فقهاء الأمة جميعا دون أن يحصل من يخالفهم ويصيب الواقع.
وظهر الاحتجاج بالاجماع بصورة واضحة في هذا العصر عند الشيخ الطوسي بصورة خاصة.
ومؤلفات الفقهاء المتقدمين على هذا العصر، وإن كانت لا تخلو عن التمسك بالاجماع، إلا أن هذه الظاهرة تبدو في كتب الشيخ بصوة خاصة، وفي آثار هذه المدرسة بصورة عامة أكثر من أي وقت سابق.
ويتضح مما تقدم أن البحث. الفقهي خطا خطوة كبيرة في هذه المرحلة من حياته، وأشرف على أعتاب مرحلة جديدة بعد أن خلف وراءه مرحلة طويلة، ودخل دور المراهقة حاملا تجارب ثلاثة قرون حافلة بالجهود المثمرة والتجارب الخصبة.
وبلغت التجربة الجديدة قمتها في حياة الشيخ الطوسي حيث قام بمحاولات تجديدية جريئة في تطوير عملية الاستنباط على الصعيد الفقهي والأصولي.
ولكي يلمس القارئ التراث الضخم الذي خلفه الشيخ والتجربة الجريئة