حتى كانت لهم العاقبة بعدما نالهم من التكذيب من قومهم والأذى البليغ ثم جاءهم النصر في الدنيا كما لهم النصر في الآخرة ولهذا قال " ولا مبدل لكلمات الله " أي التي كتبها بالنصر في الدنيا والآخرة لعباده المؤمنين كما قال " ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين * إنهم لهم المنصورون * وإن جندنا لهم الغالبون " وقال تعالى " كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز " وقوله " ولقد جاءك من نبأ المرسلين " أي من خبرهم كيف نصروا وأيدوا على من كذبهم من قومهم فلك فيهم أسوة وبهم قدوة. ثم قال تعالى " وإن كان كبر عليك إعراضهم " أي إن كان شق عليك إعراضهم عنك " فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: النفق السرب فتذهب فيه فتأتيهم بآية أو تجعل لك سلما في السماء فتصعد فيه فتأتيهم بآية أفضل مما أتيتهم به فافعل وكذا قال قتادة والسدي وغيرهما، وقوله " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين " كقوله تعالى " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " الآية قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " ولو شاء الله لجمعهم على الهدى " قال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحرص أن يؤمن جميع الناس ويتابعوه على الهدى فأخبر الله أنه لا يؤمن إلا من قد سبق له من الله السعادة في الذكر الأول، وقوله تعالى " إنما يستجيب الذين يسمعون " أي إنما يستجيب لدعائك يا محمد من يسمع الكلام ويعيه ويفهمه كقوله " لينذر من كان حيا ويحق القول على الكافرين " وقوله " والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " يعني بذلك الكفار لانهم موتى القلوب فشبههم الله بأموات الأجساد فقال " والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون " وهذا من باب التهكم بهم والازدراء عليهم.
وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون (37) وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شئ ثم إلى ربهم يحشرون (38) والذين كذبوا بآياتنا صم وبكم في الظلمات من يشاء الله يضلله ومن يشأ يجعله على صراط مستقيم (39) يقول تعالى مخبرا عن المشركين أنهم كانوا يقولون لولا نزل عليه آية من ربه أي خارق على مقتضى ما كانوا يريدون ومما يتعنتون كقولهم " لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا " الآيات " قل إن الله قادر على أن ينزل آية ولكن أكثرهم لا يعلمون " أي هو تعالى قادر على ذلك ولكن حكمته تعالى تقتضي تأخير ذلك لأنه لو أنزل وفق ما طلبوا ثم لم يؤمنوا لعاجلهم بالعقوبة كما فعل بالأمم السالفة كما قال تعالى " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وقال تعالى " إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين " وقوله " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " قال مجاهد: أي أصناف مصنفة تعرف بأسمائها. وقال قتادة الطير أمة والانس أمة والجن أمة وقال السدي " إلا أمم أمثالكم " أي خلق أمثالكم.
وقوله " ما فرطنا في الكتاب من شئ " أي الجميع علمهم عند الله ولا ينسى واحدا من جميعها من رزقه وتدبيره سواء كان بريا أو بحريا كقوله " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين " أي مفصح بأسمائها وأعدادها ومظانها وحاصر لحركاتها وسكناتها وقال تعالى " وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وإياكم وهو السميع العليم " وقد قال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبيد بن واقد القيسي أبو عباد حدثني محمد بن عيسى بن كيسان حدثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله