يدعو كالذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن ينذر بالذي أنذر وقوله " أئنكم لتشهدون " أيها المشركون أي " أن مع الله آلهة أخرى قل لا أشهد " كقوله " فإن شهدوا فلا تشهد معهم " " قل إنما هو إله واحد وإنني برئ مما تشركون " ثم قال تعالى مخبرا عن أهل الكتاب أنهم يعرفون هذا الذي جئتهم به كما يعرفون أبناءهم بما عندهم من الاخبار والأنباء عن المرسلين المتقدمين والأنبياء فإن الرسل كلهم بشروا بوجود محمد صلى الله عليه وسلم ونعته وصفته وبلده ومهاجره وصفة أمته ولهذا قال بعده " الذين خسروا أنفسهم " أي خسروا كل الخسارة " فهم لا يؤمنون " بهذا الأمر الجلي الظاهر الذي بشرت به الأنبياء ونوهت به في قديم الزمان وحديثه ثم قال " ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته " أي لا أظلم ممن تقول على الله فادعى أن الله أرسله ولم يكن أرسله ثم لا أظلم ممن كذب بآيات الله وحججه وبراهينه ودلالاته " إنه لا يفلح الظالمون " أي لا يفلح هذا ولا هذا لا المفتري ولا المكذب.
ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول للذين أشركوا أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون (22) ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين (23) انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (24) ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها حتى إذا جاءوك يجادلونك يقول الذين كفروا إن هذا إلا أساطير الأولين (25) وهم ينهون عنه وينئون عنه وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون (26) يقول تعالى مخبرا عن المشركين " يوم نحشرهم جميعا " يوم القيامة فيسألهم عن الأصنام والأنداد التي كانوا يعبدونها قائلا لم " أين شركاؤكم الذين كنتم تزعمون " كقوله تعالى في سورة القصص " ويوم يناديهم فيقول أين شركائي الذين كنتم تزعمون ". وقوله تعالى " ثم لم تكن فتنتهم " أي حجتهم إلا أن قالوا " والله ربنا ما كنا مشركين " قال الضحاك عن ابن عباس " ثم لم تكن فتنتهم " أي حجتهم. وقال عطاء الخراساني عنه أي معذرتهم. وكذا قال قتادة وقال ابن جريج عن ابن عباس أي قيلهم وكذا قال الضحاك وقال عطاء الخراساني " ثم لم تكن فتنتهم " بليتهم حين ابتلوا " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " وقال ابن جرير: والصواب ثم لم يكن قيلهم عند فتنتنا إياهم اعتذارا عما سلف منهم الشرك بالله " إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين " وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو يحيى الرازي عن عمرو بن أبي قيس عن مطرف عن المنهال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: أتاه رجل فقال يا ابن عباس سمعت الله يقول " والله ربنا ما كنا مشركين " قال: أما قوله " والله ربنا ما كنا مشركين " فإنهم رأوا أنه لا يدخل الجنة إلا أهل الصلاة فقالوا تعالوا فلنجحد فيجحدون فيختم الله على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم ولا يكتمون الله حديثا فهل في قلبك الآن شئ؟ إنه ليس من القرآن شئ إلا ونزل فيه شئ ولكن لا تعلمون وجهه. وقال الضحاك عن ابن عباس: هذه في المنافقين وفيه نظر فإن هذه الآية مكية والمنافقون إنما كانوا بالمدينة والتي نزلت في المنافقين آية المجادلة " يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له " الآية، وكذا قال في حق هؤلاء " انظر كيف كذبوا على أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون " كقوله " ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا " الآية. وقوله " ومنهم من يستمع إليك وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها " أي يجيئون ليستمعوا قراءتك ولا تجزي عنهم شيئا لان الله " جعل على قلوبهم أكنة " أي أغطية لئلا يفقهوا القرآن " وفي آذانهم وقرا " أي صما عن السماع النافع لهم كما قال تعالى (ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء) الآية. وقوله " وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها " أي مهما رأوا من الآيات والدلالات والحجج البينات