من العذاب الذي عاينوه جزاء ما كانوا عليه من الكفر فسألوا الرجعة إلى الدنيا ليتخلصوا مما شاهدوا من النار ولهذا قال " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " أي في طلبهم الرجعة رغبة ومحبة في الايمان ثم قال مخبرا عنهم أنهم لو ردوا إلى الدار الدنيا لعادوا لما نهوا عنه من الكفر والمخالفة " وإنهم لكاذبون " أي في قولهم يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين، وقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا وما نحن بمبعوثين أي لعادوا لما نهوا عنه ولقالوا إن هي إلا حياتنا الدنيا أي ما هي هذه الحياة الدنيا لا معاد بعدها ولهذا قال " وما نحن بمبعوثين ". ثم قال " ولو ترى إذ وقفوا على ربهم " أي أوقفوا بين يديه قال " أليس هذا بالحق " أي أليس هذا المعاد بحق وليس بباطل كما كنتم تظنون " قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون " أي بما كنتم تكذبون به فذوقوا اليوم مسه " أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون ".
قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله حتى جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون (31) وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون (32) يقول تعالى مخبرا عن خسارة من كذب بلقائه وعن خيبته إذا جاءته الساعة بغتة وعن ندامته على ما فرط من العمل وما أسلف من قبح الفعل ولهذا قال " حتى إذا جاءتهم الساعة بغتة قالوا يا حسرتنا على ما فرطنا فيها " وهذا الضمير يحتمل عوده على الحياة وعلى الأعمال وعلى الدار الآخرة أي في أمرها وقوله " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون " أي يحملون وقال قتادة يعملون وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن عمرو بن قيس عن أبي مرزوق قال: يستقبل الكافر أو الفاجر عند خروجه من قبره كأقبح صورة رأيتها وأنتنه ريحا فيقول من أنت فيقول أو ما تعرفني فيقول لا والله إلا إن الله قبح وجهك وأنتن ريحك فيقول أنا عملك الخبيث هكذا كنت في الدنيا خبيث العمل منتنة فطالما ركبتني في الدنيا هلم أركبك فهو قوله " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم " الآية وقال أسباط عن السدي أنه قال: ليس من رجل ظالم يدخل قبره إلا جاءه رجل قبيح الوجه أسود اللون منتن الريح وعليه ثياب دنسة حتى يدخل معه قبره فإذا رآه قال:
ما أقبح وجهك قال كذلك كان عملك قبيحا قال ما أنتن ريحك قال كذلك كان عملك منتنا قال ما أدنس ثيابك قال فيقول إن عملك كان دنسا قال له من أنت؟ قال عملك قال فيكون معه في قبره فإذا بعث يوم القيامة قال له: إني كنت أحملك في الدنيا باللذات والشهوات وأنت اليوم تحملني قال فيركب على ظهره فيسوقه حتى يدخله النار، فذلك قوله " وهم يحملون أوزارهم على ظهورهم ألا ساء ما يزرون " وقوله " وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو " أي إنما غالبها كذلك " وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ".
قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبأ المرسلين (34) وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض أو سلما في السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين (35) * إنما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم إليه يرجعون (36)