يخبر تعالى أنه الفعال لما يريد المتصرف في خلقه بما يشاء وأنه لا معقب لحكمه ولا يقدر أحد على صرف حكمه عن خلقه بل هو وحده لا شريك له الذي إذا سئل يجيب لمن يشاء ولهذا قال " قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة " أي أتاكم هذا أو هذا " أغير الله تدعون إن كنتم صادقين " أي لا تدعون غيره لعلمكم أنه لا يقدر أحد على رفع ذلك سواه ولهذا قال " إن كنتم صادقين " أي في اتخاذكم آلهة معه " بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما تشركون " أي في وقت الضرورة لا تدعون أحدا سواه وتذهب عنكم أصنامكم وأندادكم كقوله " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه " الآية، وقوله " ولقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فأخذناهم بالبأساء " يعني الفقر والضيق في العيش " والضراء " وهي الأمراض والأسقام والآلام " لعلهم يتضرعون " أي يدعون الله ويتضرعون إليه ويخشعون، قال الله تعالى " فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا " أي فهلا إذ ابتليناهم بذلك تضرعوا إلينا وتمسكنوا لدينا " ولكن قست قلوبهم " أي ما رقت ولا خشعت " وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون " أي من الشرك والمعاندة والمعاصي " فلما نسوا ما ذكروا به " أي أعرضوا عنه وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم " فتحنا عليهم أبواب كل شئ " أي فتحنا عليهم أبو أب الرزق من كل ما يختارون وهذا استدراج منه تعالى وإملاء لهم عياذا بالله من مكروه ولهذا قال " حتى إذا فرحوا بما أوتوا " من الأموال والأولاد والأرزاق " أخذناهم بغتة " أي على غفلة " فإذا هم مبلسون " أي آيسون من كل خير قال الوالبي عن ابن عباس المبلس الآيس. وقال الحسن البصري من وسع الله عليه فلم ير أنه يمكر به فلا رأى له ومن قتر عليه فلم ير أنه ينظر له فلا رأى له، ثم قرأ " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبو أب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " قال مكر بالقوم ورب الكعبة أعطوا حاجتهم ثم أخذوا رواه ابن أبي حاتم وقال قتادة: بغت القوم أمر الله وما أخذ الله قوما قط إلا عند سكرتهم وغرتهم ونعمتهم فلا تغتروا بالله فإنه لا يغتر بالله إلا القوم الفاسقون رواه ابن أبي حاتم أيضا.
وقال مالك عن الزهري " فتحنا عليهم أبو أب كل شئ " قال أرجاء الدنيا وسترها. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان حدثنا رشدين - يعني ابن سعد أبا الحجاج المهري - عن حرملة بن عمران التجيبي عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا رأيت الله يعطي العبد من الدنيا على معاصيه ما يحب فإنما هو استدراج ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم " فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبو أب كل شئ حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " ورواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث حرملة وابن لهيعة عن عقبة بن مسلم عن عقبة بن عامر به. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا هشام بن عمار حدثنا عراك بن خالد بن يزيد حدثني أبي عن إبراهيم بن أبي عبلة عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول " إذا أراد الله بقوم بقاء أو نماء رزقهم القصد والعفاف وإذا أراد الله بقوم اقتطاعا فتح لهم أو فتح عليهم باب خيانة " حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون " كما قال " فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين " ورواه أحمد وغيره.
قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به أنظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون (46) قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة هل يهلك إلا القوم الظالمون (47) وما نرسل المرسلين إلا مبشرين ومنذرين فمن آمن وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون (48) والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون (49) يقول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لهؤلاء المكذبين المعاندين " أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم " أي سلبكم