ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن أعبد وا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد (117) إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم (118) هذا أيضا مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلا له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله (يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الاشهاد هكذا قاله قتادة وغيره واستدل على ذلك بقوله تعالى " هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم " وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا وقال ابن جرير: هذا هو الصواب وكان ذلك حين رفعه إلى السماء الدنيا: واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين " أحدهما " أن الكلام بلفظ المضي " والثاني " قوله. " إن تعذبهم " " وإن تغفر لهم " وهذان الدليلان فيهما نظر لان كثيرا من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت ومعنى قوله " إن تعذبهم فإنهم عبادك " الآية التبري منهم ورد المشيئة فيهم إلى الله وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الآيات والذي قاله قتادة هو غيره هو الاظهر والله أعلم أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الاشهاد يوم القيامة وقد روي بذلك حديث مرفوع رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله مولى عمر بن عبد العزيز وكان ثقة قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان يوم القيامة دعي بالأنبياء وأممهم ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها فيقول يا عيسى ابن مريم " أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك الآية ثم يقول " أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " فينكر أن يكون قال " ذلك فيؤتى بالنصارى فيسئلون فيقولون نعم هو أمرنا بذلك قال فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من رأسه وجسده فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة ويرفع لهم الصليب وينطلق بهم إلى النار " وهذا حديث غريب عزيز.
وقوله " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن عمرو عن طاوس عن أبي هريرة قال: يلقي عيسى حجته ولقاء الله تعالى في قوله " وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله " قال أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فلقاه الله " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " إلى آخر الآية وقد رواه الثوري عن معمر عن ابن طاوس عن طاوس بنحوه وقوله " إن كنت قلته فقد علمته " أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب فإنه لا يخفى عليك شئ فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته ولهذا قال " تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " بإبلاغه " أن أعبد وا الله ربي وربكم " أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه " أن أعبد وا الله ربي وربكم " أي هذا هو الذي قلت لهم وقوله " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم " أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم " فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شئ شهيد " قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان فأملى على سفيان وأنا معه فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال " يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة عراة غرلا " كما بدأنا أول خلق نعيده " وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول " أصحابي " فيقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول كما قال العبد الصالح