جواب عن هذا. وله أن يقوله هذا قتله الكلب بثقله فلم يحل قياسا على ما قتله السهم بعرضه والجامع أن كلا منهما آلة للصيد وقد مات بثقله فيهما ولا يعارض ذلك بعموم الآية لان القياس مقدم على العموم كما هو مذهب الأئمة الأربعة والجمهور وهذا مسلك حسن أيضا " مسلك آخر " وهو أن قوله تعالى " فكلوا مما أمسكن عليكم " عام فيما قتلن بجرح أو غيره لكن هذا المقتول على هذه الصورة المتنازع فيه لا يخلو إما أن يكون نطيحا أو في حكمه أو منخنقا أو في حكمه وأياما كان فجيب تقديم هذه الآية على تلك الوجوه " أحدها " أن الشارع قد اعتبر حكم هذه الآية حالة الصيد حيث يقول لعدي بن حاتم " وإن أصابه بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله " ولم نعلم أحدا من العلماء فصل بين حكم وحكم من هذه الآية فقال ابن الوقيذ: معتبر حالة الصيد والنطيح ليس معتبرا فيكون القول بحل المتنازع فيه خرقا للاجماع لا قائل به وهو محظور عند كثير من العلماء " الثاني " أن تلك الآية " فكلوا مما أمسكن عليكم " ليست على عمومها بالاجماع بل مخصوصة بما صدن من الحيوان المأكول وخرج من عموم لفظها الحيوان غير المأكول بالاتفاق والعموم المحفوظ مقدم على غير المحفوظ " المسلك الآخر " أن هذا الصيد والحالة هذه في حكم الميتة سواء لأنه قد احتقن فيه الدماء وما يتبعها من الرطوبات فلا محل قياسا على الميتة " المسلك الآخر " أن آية التحريم أعني قوله " حرمت عليكم الميتة " إلى آخرها محكمة لم يدخلها نسخ ولا تخصيص وكذا ينبغي أن تكون آية التحليل محكمة أعني قوله تعالى " يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات " الآية. فينبغي أن لا يكون بينهما تعارض أصلا وتكون السنة جاءت لبيان ذلك وشاهد ذلك قصة السهم فإنه ذكر حكم ما دخل في هذه الآية وهو ما إذا خزقه المعراض فيكون حلالا لأنه من الطيبات وما دخل في حكم تلك الآية آية التحريم وهو ما إذا أصابه بعض فلا يؤكل لأنه وقيذ فيكون أحد أفراد آية التحريم. وهكذا يجب أن يكون حكم هذا سواء إن كان قد جرحه الكلب فهو داخل في حكم آية التحليل وإن لم يجرحه بل صدمه أو قتله بثقله فهو نطيح أو في حكمه فلا يكون حلالا. " فإن قيل " فلم لا فصل في حكم الكلب فقال: ما ذكرتم إن جرحه فهو حلال وإن لم يجرحه فهو حرام " فالجواب " أن ذلك نادر لان من شأن الكلب أن يقتل بظفره أو نابه أو بهما معا وأما اصطدامه هو والصيد فنادر وكذا قتله إياه بثقله فلم يحتج إلى الاحتراز من ذلك لندوره أو لظهور حكمه عند من علم تحريم الميتة والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأما السهم والمعراض فتارة يخطئ لسوء رمي راميه أو للهو أو نحو ذلك بل خطؤه أكثر من إصابته فلهذا ذكر كلا من حكميه مفصلا والله أعلم. ولهذا لما كان الكلب من شأنه أنه يأكل من الصيد ذكر حكم ما إذا أكل من الصيد فقال: " إن أكل فلا تأكل فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه " وهذا صحيح ثابت في الصحيحين وهو أيضا مخصوص من عموم آية التحليل عند كثيرين فقالوا: لا يحل ما أكل منه الكلب حكى ذلك عن أبي هريرة وابن عباس وبه قال الحسن والشعبي والنخعي وإليه ذهب أبو حنيفة وصاحباه وأحمد بن حنبل والشافعي في المشهور عنه. وروى ابن جرير في تفسيره عن علي وسعيد وسلمان وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس أن الصيد يؤكل وإن أكل منه الكب حتى قال سعيد وسلمان وأبو هريرة وغيرهم: يؤكل ولو لم يبق منه إلا بضعه وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في قوله القديم وأما في الجديد إلى قولين قال ذلك الإمام أبو نضر بن الصباغ وغيره من الأصحاب عنه وقد روى أبو داود بإسناد جيد قوي عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال في صيد الكلب: " إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك " ورواه أيضا النسائي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله فذكر نحوه وقال محمد بن جرير في تفسيره: حدثنا عمران بن بكار الكلاعي حدثنا عبد العزيز بن موسى هو اللاجوني حدثنا محمد بن دينار هو الطاحي عن أبي إياس وهو معاوية بن قرة عن سعيد بن المسيب عن سلمان الفارسي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أرسل الرجل كلبه على الصيد فأدركه وقد أكل منه فليأكل ما بقي ثم إن ابن جرير علله بأنه قد رواه أبو قتادة وغيره عن سعيد بن المسيب عن سلمان موقوفا. وأما الجمهور فقدموا حديث عدي على
(١١)