وإياك والميتات لا تقربنها * ولا تأخذن عظما حديدا فتفصدا أي لا تفعل فعل الجاهلية وذلك أن أحدهم كان إذا جاع يأخذ شيئا محددا من عظم ونحوه فيفصد به بعيره أو حيوانا من أي صنف كان فيجمع ما يخرج منه من الدم فيشربه ولهذا حرم الله الدم على هذه الأمة ثم قال الأعشى:
وذا النصب المنصوب لا تأتينه * ولا تعبد الأوثان والله فاعبدا " قوله ولحم الخنزير " يعني إنسيه ووحشيه واللحم يعم جميع أجزائه حتى الشحم ولا يحتاج إلى تحذلق الظاهرية في جمودهم ههنا وتعسفهم في الاحتجاج بقوله " فإنه رجس أو فسقا " يعنون قوله تعالى " إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس " أعادوا الضمير فيما فهموه على الخنزير حتى يعم جميع أجزائه وهذا بعيد من حيث اللغة فإنه لا يعود الضمير إلا إلى المضاف دون المضاف إليه والأظهر أن اللحم يعم جميع الأجزاء كما هو المفهوم من لغة العرب ومن العرف المطرد وفي صحيح مسلم عن بريدة بن الخصيب الأسلمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من لعب بالنردشير فكأنما صبغ يده في لحم الخنزير ودمه " فإذا كان هذا التنفير لمجرد اللمس فكيف يكون التهديد والوعيد الأكيد على أكله والتغذي به وفيه دلالة على شمول اللحم لجميع الاجزاء من الشحم وغيره. وفي الصحيحين أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنها تطلى بها السفن وتدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال: لا هو حرام " وفي صحيح البخاري من حديث أبي سفيان أنه قال لهرقل ملك الروم نهانا عن الميتة والدم وقوله " وما أهل لغير الله به " أي ما ذبح فذكر عليه اسم غير الله فهو حرام لان الله تعالى أوجب أن تذبح مخلوقاته على اسمه العظيم فمتى عدل بها عن ذلك وذكر عليها اسم غيره من صنم أو طاغوت أو وثن أو غير ذلك من سائر المخلوقات فإنها حرام بالاجماع. وإنما اختلف العلماء في متروك التسمية إما عمدا أو نسيانا كما سيأتي تقريره في سورة الأنعام . وقد قال ابن أبي حاتم حدثنا علي بن الحسن السنجاني حدثنا نعيم بن حماد حدثنا ابن فضيل عن الوليد بن جميع عن أبي الطفيل قال نزل آدم بتحريم أربع " الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به " وإن هذه الأربعة أشياء لم تحل قط ولم تزل حراما منذ خلق الله السماوات والأرض فلما كانت بنو إسرائيل حرم الله عليهم طيبات أحلت لهم بذنوبهم فلما بعث الله عيسى ابن مريم - عليه السلام - نزل بالامر الأول الذي جاء به آدم وأحل لهم ما سوى ذلك فكذبوه وعصوه وهذا أثر غريب وقال ابن أبي حاتم أيضا: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن يونس حدثنا ربعي عن عبد الله قال سمعت الجارود بن أبي سبرة قال: هو جدي قال كان رجل من بني رباح يقال له ابن وائل وكان شاعرا نافر غالبا أبا الفرزدق بماء بظهر الكوفة على أن يعقر هذا مائة من إبله وهذا مائة من إبله إذا وردت الماء فلما وردت الماء قاما إليها بسيفيهما فجعلا يكشفان عراقيبها قال: فخرج الناس على الحمرات والبغال يريدون اللحم قال: وعلي بالكوفة قال: فخرج علي على بغلة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - البيضاء وهو ينادي يا أيها الناس لا تأكلوا من لحومها فإنها أهل بها لغير الله هذا أثر غريب ويشهد له بالصحة ما رواه أبو داود حدثنا هارون بن عبد الله ثنا ابن حماد ابن مسعدة عن عوف عن أبي ريحانة عن ابن عباس قال نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن معاقرة الاعراب ثم قال أبو داود محمد بن جعفر هو غندر أوقفه على ابن عباس تفرد به أبو داود وقال أبو داود أيضا حدثنا هارون بن زيد بن أبي الزرقاء حدثنا أبي حدثنا جرير بن حازم عن الزبير بن حريث قال سمعت عكرمة يقول: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن طعام المتباريين أن يؤكل ثم قال أبو داود أكثر من رواه غير ابن جرير لا يذكر فيه ابن عباس تفرد به أيضا قوله " والمنخنقة " وهي التي تموت بالخنق إما قصدا وإما اتفاقا بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به. فهي حرام وأما " الموقوذة " فهي التي تضرب بشئ ثقيل غير محدد حتى تموت كما قال ابن عباس وغير واحد عن التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها