" واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا * كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا " وقال الخليل عليه الصلاة والسلام " ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض " الآية. وقال تعالى " وقيل ادعوا شركاءكم " الآية والآيات في هذا كثيرة.
وقوله " وألقوا إلى الله يومئذ السلم " قال قتادة وعكرمة ذلوا واستسلموا يومئذ أي استسلموا لله جميعهم فلا أحد إلا سامع مطيع وكقوله تعالى " أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا " أي ما أسمعهم وما أبصرهم يومئذ وقال " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا " الآية. وقال " وعنت الوجوه للحي القيوم " أي خضعت وذلت واستكانت وأنابت واستسلمت وقوله " وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون " أي ذهب واضمحل ما كانوا يعبدونه افتراء على الله فلا ناصر لهم ولا معين ولا مجيز. ثم قال تعالى " الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا " الآية أي عذابا على كفرهم وعذابا على صدهم الناس عن اتباع الحق كقوله تعالى " وهم ينهون عنه وينأون عنه " أي ينهون الناس عن اتباعه ويبتعدون هم منه أيضا " وإن يهلكون إلا أنفسهم وما يشعرون " وهذا دليل على تفاوت الكفار في عذابهم كما يتفاوت المؤمنون في منازلهم في الجنة ودرجاتهم كما قال تعالى " قال لكل ضعف ولكن لا تعلمون " وقد قال الحافظ أبو يعلى حدثنا شريح بن يونس حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش عن عبد الله بن مرة عن مسروق عن عبد الله في قول الله " زدناهم عذابا فوق العذاب " قال زيدوا عقارب أنيابها كالنخل الطوال. وحدثنا شريح بن يونس حدثنا إبراهيم بن سليمان حدثنا الأعمش عن الحسن عن ابن عباس في الآية أنه قال " زدناهم عذابا فوق العذاب " قال هي خمسة أنهار تحت العرش يعذبون ببعضها في الليل وببعضها في النهار.
ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89) يقول تعالى مخاطبا عبده ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم " ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء " يعني أمتك. أي أذكر ذلك اليوم وهو له وما منحك الله فيه من الشرف العظيم والمقام الرفيع وهذه الآية شبيهة بالآية التي انتهى إليها عبد الله بن مسعود حين قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم صدر سورة النساء فلما وصل إلى قوله " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا " فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم " حسبك " فقال ابن مسعود رضي الله عنه فالتفت فإذا عيناه تذرفان وقوله " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ " قال ابن مسعود قد بين لنا في هذا القرآن كل علم وكل شئ وقال مجاهد كل حلال وكل حرام وقول ابن مسعود أعم وأشمل فإن القرآن اشتمل على كل علم نافع من خبر ما سبق وعلم ما سيأتي وكل حلال وحرام وما الناس إليه محتاجون في أمر دنياهم ودينهم ومعاشهم ومعادهم " وهدى " أي للقلوب " ورحمة وبشرى للمسلمين " وقال الأوزاعي " ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ " أي بالسنة ووجه اقتران قوله " ونزلنا عليك الكتاب " مع قوله " وجئنا بك شهيدا على هؤلاء " أن المراد والله أعلم. إن الذي فرض عليك تبليغ الكتاب الذي أنزله عليك سائلك عن ذلك يوم القيامة " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " " فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون " " يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا لا علم لنا إنك أنت علام الغيوب ". وقال تعالى " إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد " أي إن الذي أوجب عليك تبليغ القرآن لرادك إليه ومعيدك يوم القيامة وسائلك عن أداء ما فرض عليك. هذا أحد الأقوال وهو متجه حسن.
* إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90)