آدم وقلبه مؤمن بالله ورسوله وإن هذا العمل المأمور به مشروع من عند الله بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا وأن يجزيه بأحسن ما عمله في الدار الآخرة والحياة الطيبة تشتمل وجوه الراحة من أي جهة كانت وقد روى عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة وكذا قال ابن عباس وعكرمة ووهب بن منبه وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أنها هي السعادة وقال الحسن ومجاهد وقتادة لا يطيب لاحد حياة إلا في الجنة وقال الضحاك هي الرزق الحلال والعبادة في الدنيا وقال الضحاك أيضا هي العمل بالطاعة والانشراح بها والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله كما جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني شرحبيل بن أبي شريك عن عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " قد أفلح من أسلم ورزق كفافا وقنعه الله بما آتاه ". ورواه مسلم من حديث عبد الله بن يزيد المقري به. وروى الترمذي والنسائي من حديث أبي هانئ عن ابن علي الجهني عن فضالة بن عبيد أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " قد أفلح من هدي للاسلام وكان عيشه كفافا وقنع به " وقال الترمذي هذا حديث صحيح وقال الإمام أحمد حدثنا يزيد حدثنا همام عن يحيى عن قتادة عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يعطى بها خيرا " انفرد بإخراجه مسلم.
فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (99) إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100) هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم وهذا أمر ندب ليس بواجب حكى الاجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الاستعاذة مبسوطة في أول التفسير ولله الحمد والمنة، والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارئ قراءته ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر. ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة وحكى عن حمزة وأبي حاتم السجستاني أنها تكون بعد التلاوة واحتجا بهذه الآية ونقل النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن أبي هريرة أيضا ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي والصحيح الأول لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدمها على التلاوة والله أعلم. وقوله " إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون " قال الثوري ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه وقال آخرون معناه لا حجة له عليهم وقال آخرون كقوله " إلا عبادك منهم المخلصين " " إنما سلطانه على الذين يتولونه " قال مجاهد يطيعونه وقال آخرون اتخذوه وليا من دون الله " وهم به مشركون " أي أشركوا في عبادة الله ويحتمل أن تكون الباء سببية أي صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى وقال آخرون معناه أنه شركهم في الأموال والأولاد.
وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (102) يخبر تعالى عن ضعف عقول المشركين وقلة ثباتهم وإيقانهم وإنه لا يتصور منهم الايمان وقد كتب عليهم الشقاوة وذلك أنهم إذا رأوا تغيير الاحكام ناسخها بمنسوخها قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم " إنما أنت مفتر " أي كذاب وإنما هو الرب تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وقال مجاهد " بدلنا آية مكان آية " أي رفعناها وأثبتنا غيرها وقال