فيها معايش ومن لستم له برازقين (20) يذكر تعالى خلقه السماء في ارتفاعها وما زينها به من الكواكب الثوابت والسيارات لمن تأمل وكرر النظر فيما يرى من العجائب والآيات الباهرات ما يحار نظره فيه وبهذا قال مجاهد وقتادة البروج ههنا هي الكواكب.
" قلت " وهذا كقوله تبارك وتعالى " تبارك الذي جعل في السماء بروجا " الآية. ومنهم من قال البروج هي منازل الشمس والقمر وقال عطية العوفي البروج ههنا هي قصور فيها الحرس وجعل الشهب حرسا لها من مردة الشياطين لئلا يسمعوا إلى الملا الاعلى فمن تمرد وتقدم منهم لاستراق السمع جاءه شهاب مبين فأتلفه فربما يكون قد ألقى الكلمة التي سمعها أن يدركه الشهاب إلى الذي هو دونه فيأخذها الآخر ويأتي بها إلى وليه كما جاء مصرحا به في الصحيح كما قال البخاري في تفسير هذه الآية: حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن عمرو عن عكرمة عن أبي هريرة يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم قال " إذا قضى الله الامر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله كأنه سلسلة على صفوان " قال علي وقال غيره صفوان ينفذهم ذلك فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترقوا السمع ومسترقوا السمع هكذا واحد فوق آخر ووصف سفيان بيده وفرج بين أصابع يده اليمنى نصبها بعضها فوق بعض فربما أدرك الشهاب المستمع قبل أن يرمي بها إلى صاحبه فيحرقه وربما لم يدركه حتى يرمي بها إلى الذي يليه إلى الذي هو أسفل منه حتى يلقوها إلى الأرض وربما قال سفيان حتى تنتهي إلى الأرض فتلقى على فم الساحر أو الكاهن فيكذب معها مائة كذبة فيصدق فيقولون ألم يخبرنا يوم كذا وكذا يكون كذا وكذا فوجدناه حقا للكلمة التي سمعت من السماء ثم ذكر تعالى خلقه الأرض ومده إياها وتوسيعها وبسطها وما جعل فيها من الجبال الرواسي والأودية والأراضي والرمال وما أنبت فيها من الزروع والثمار المتناسبة وقال ابن عباس " من كل شئ موزون " أي معلوم وكذا قال سعيد بن جبير وعكرمة وأبو مالك ومجاهد والحكم بن عيينة والحسن بن محمد وأبو صالح وقتادة ومنهم من يقول مقدر بقدر وقال ابن زيد من كل شئ يوزن ويقدر بقدر وقال ابن زيد ما يزنه أهل الأسواق، وقوله " وجعلنا لكم فيها معايش " يذكر تعالى أنه صرفهم في الأرض في صنوف الأسباب والمعايش وهي جمع معيشة وقوله " ومن لستم له برازقين " قال مجاهد هي الدواب والانعام وقال ابن جرير هم العبيد والإماء والدواب والانعام والقصد أنه تعالى يمتن عليهم بما يسر لهم من أسباب المكاسب ووجوه الأسباب وصنوف المعايش وبما سخر لهم من الدواب التي يركبونها والانعام التي يأكلونها والعبيد والإماء التي يستخدمونها ورزقهم على خالقهم لا عليهم فلهم هم المنفعة والرزق على الله تعالى.
وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم (21) وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه وما أنتم له بخازنين (22) وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون (23) ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين (24) وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم (25) يخبر تعالى أنه مالك كل شئ وأن كل شئ سهل عليه يسير لديه وأن عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف " وما ننزله إلا بقدر معلوم " كما يشاء كما يريد ولما له في ذلك من الحكمة البالغة والرحمة بعباده لا على جهة الوجوب بل هو كتب على نفسه الرحمة. قال يزيد بن أبي زياد عن أبي جحيفة عن عبد الله ما من عام بأمطر من عام ولكن الله يقسمه بينهم حيث شاء عاما ههنا وعاما ههنا ثم قرأ " وإن من شئ إلا عندنا خزائنه " الآية. رواه ابن جرير وقال أيضا حدثنا القاسم حدثنا هشيم أخبرنا إسماعيل بن سالم عن الحكم بن عيينة في قوله " وما ننزله إلا بقدر معلوم " قال ما عام بأكثر مطرا من عام ولا أقل ولكنه يمطر قوم ويحرم آخرون بما كان في البحر قال وبلغنا أنه ينزل مع المطر من الملائكة أكثر من عدد ولد إبليس وولد آدم يحصون كل قطرة حيث تقع وما تنبت