وقوله " كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون " ولهذا قال " ويلههم الأمل " أي عن التوبة والإنابة " فسوف يعلمون " أي عاقبة أمرهم.
وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم (4) ما تسبق من أمة أجلها وما يستأخرون (5) يخبر تعالى أنه ما أهلك قرية إلا بعد قيام الحجة عليها وانتهاء أجلها، وأنه لا يؤخر أمة حان هلاكهم عن ميقاتهم ولا يتقدمون عن مدتهم وهذا تنبيه لأهل مكة وإرشاد لهم إلى الاقلاع عما هم عليه من الشرك والعناد والالحاد الذي يستحقون به الهلاك.
وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون (6) لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين (7) ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين (8) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (9) يخبر تعالى عن كفرهم وعنادهم في قولهم " يا أيها الذي نزل عليه الذكر " أي الذي تدعي ذلك " إنك لمجنون " أي في دعائك إيانا إلى اتباعك وترك ما وجدنا عليه آباءنا " لوما " أي هلا " تأتينا بالملائكة " أي يشهدون لك بصحة ما جئت به كما قال فرعون " فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين " " وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوا كبير * يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ للمجرمين ويقولون حجرا محجورا " وكذا قال في هذه الآية " ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين " وهو القرآن وهو الحافظ له من التغيير والتبديل ومنهم من أعاد الضمير في قوله تعالى " له لحافظون " على النبي صلى الله عليه وسلم كقوله " والله يعصمك من الناس " والمعنى الأول أولى وهو ظاهر السياق.
ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين (10) وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون (11) كذلك نسلكه في قلوب المجرمين (12) لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين (13) يقول تعالى مسليا لرسوله صلى الله عليه وسلم في تكذيب من كذبه من كفار قريش إنه أرسل من قبله من الأمم الماضية وإنه ما أتى أمة من رسول إلا كذبوه واستهزؤوا به ثم أخبر أنه سلك التكذيب في قلوب المجرمين الذين عاندوا واستكبروا عن اتباع الهدى قال أنس والحسن البصري " كذلك نسلكه في قلوب المجرمين " يعني الشرك وقوله " قد خلت سنة الأولين " أي قد علم ما فعل تعالى بمن كذب رسله من الهلاك والدمار وكيف أنجى الله الأنبياء وأتباعهم في الدنيا والآخرة.
ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون (14) لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون (15) يخبر تعالى عن قوة كفرهم وعنادهم ومكابرتهم للحق أنه لو فتح لهم بابا من السماء فجعلوا يصعدون فيه لما صدقوا بذلك بل قالوا " إنما سكرت أبصارنا " قال مجاهد وابن كثير والضحاك سدت أبصارنا وقال قتادة عن ابن عباس أخذت أبصارنا وقال العوفي عن ابن عباس شبه علينا وإنما سحرنا وقال الكلبي عميت أبصارنا وقال ابن زيد " سكرت أبصارنا " السكران الذي لا يعقل.
ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين (16) وحفظناها من كل شيطان رجيم (17) إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين (18) والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون (19) وجعلنا لكم