يصطرخون فيها " الآية قال تعالى ردا عليهم في قولهم هذا " أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال " أي أو لم تكونوا تحلفون من قبل هذه الحالة أنه لا زوال لكم عما أنتم فيه وأنه لا معاد ولا جزاء فذوقوا هذا بذلك قال مجاهد وغيره " ما لكم من زوال " أي ما لكم من انتقال من الدنيا إلى الآخرة كقوله " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لا يبعث الله من يموت " الآية " وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال " أي قد رأيتم وبلغكم ما أحللنا بالأمم المكذبة قبلكم ومع هذا لم يكن لكم فيهم معتبر ولم يكن فيما أوقعنا بهم لكم مزدجر " حكمة بالغة فما تغني النذر ". وقد روى شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن رباب أن عليا رضي الله عنه قال في هذه الآية " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " قال أخذ ذاك الذي حاج إبراهيم في ربه نسرين صغيرين فرباهما حتى استغلظا واستفحلا وشبا قال فأوثق رجل كل واحد منهما بوتد إلى تابوت وجوعهما وقعد هو ورجل آخر في التابوت قال ورفع في التابوت عصا على رأسه اللحم فطارا وجعل يقول لصاحبه انظر ما ترى قال أرى كذا وكذا حتى قال أرى الدنيا كلها كأنها ذباب. قال فصوب العصا فصوبها فهبطا جميعا قال فهو قوله عز وجل " وإن كاد مكرهم لتزول منه الجبال " قال أبو إسحاق وكذلك هي في قراءة عبد الله " وإن كاد مكرهم " قلت وكذا روى عن أبي بن كعب وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما أنهما قرآ " وإن كاد " كما قرأ علي وكذا رواه سفيان الثوري وإسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن رباب عن علي فذكر نحوه وكذا روي عن عكرمة أن سياق هذه القصة لنمروذ ملك كنعان أنه رام أسباب السماء بهذه الحيلة والمكر كما رام ذلك بعده فرعون ملك القبط في بناء الصرح فعجزا وضعفا وهما أقل وأحقر وأصغر وأدحر، وذكر مجاهد هذه القصة عن بختنصر وأنه لما انقطع بصره عن الأرض وأهلها نودي أيها الطاغية أين تريد؟ ففرق ثم سمع الصوت فوقه فصوب الرماح فصوبت النسور ففزعت الجبال من هدتها وكادت الجبال أن تزول من حس ذلك فذلك قوله " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " ونقل ابن جريج عن مجاهد أنه قرأها " لتزول منه الجبال " بفتح اللام الأولى وضم الثانية وروى العوفي عن ابن عباس في قوله " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " يقول ما كان مكرهم لتزول منه الجبال وكذا قال الحسن البصري ووجهه ابن جرير بأن هذا الذي فعلوه بأنفسهم من شركهم بالله وكفرهم به ما ضر ذلك شيئا من الجبال ولا غيرها وإنما عاد وبال ذلك عليهم قلت ويشبه هذا قول الله تعالى " ولا تمش في الأرض مرحا إنك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا " والقول الثاني في تفسيرها ما رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال " يقول شركهم كقوله " تكاد السماوات يتفطرن منه " الآية. وهكذا قال الضحاك وقتادة.
فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله إن الله عزيز ذو انتقام (47) يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات وبرزوا لله الواحد القهار (48) يقول تعالى مقررا لوعده ومؤكدا " فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله " أي من نصرتهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد ثم أخبر تعالى أنه ذو عزة لا يمتنع عليه شئ أراده ولا يغالب وذو انتقام ممن كفر به وجحده " فويل يومئذ للمكذبين " ولهذا قال " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " أي وعده هذا حاصل يوم تبدل الأرض وهي هذه على غير الصفة المألوفة المعروفة كما جاء في الصحيحين من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها معلم لاحد " وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق عن عائشة أنها قالت أنا أول الناس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية " يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات " قالت: قلت أين الناس يومئذ يا رسول الله؟ قال " على الصراط ". رواه مسلم منفردا به دون البخاري والترمذي وابن ماجة من حديث داود