ثم يعيده وهو أهون عليه " وقال تعالى " ما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة " وقولهم " إن هذا إلا سحر مبين " أي يقولون كفرا وعنادا ما نصدقك على وقوع البعث وما يذكر ذلك إلا من سحرته فهو يتبعك على ما تقول، وقوله " ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة " الآية. يقول تعالى ولئن أخرنا العذاب والمؤاخذة عن هؤلاء المشركين إلى أجل معدود وأمد محصور وأوعدناهم إلى مدة مضروبة ليقولن تكذيبا واستعجالا: ما يحبسه أي يؤخر هذا العذاب عنا فإن سجاياهم قد ألفت التكذيب والشك فلم يبق لهم محيص عنه ولا محيد. والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية " إلى أمة معدودة " وقوله في يوسف " وقال الذي نجا منهما وادكر بعد أمة " وتستعمل في الامام المقتدى به كقوله " إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين " وتستعمل في الملة والدين كقوله أخبارا عن المشركين إنهم قالوا " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " وتستعمل في الجماعة كقوله " ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون " وقوله " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " وقال تعالى " ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون " والمراد من الأمة ههنا الذين يبعث فيهم الرسول مؤمنهم وكافرهم كما في صحيح مسلم " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار " وأما أمة الاتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس " وفي الصحيح " فأقول أمتي أمتي " وتستعمل الأمة في الفرقة والطائفة كقوله تعالى " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " وكقوله " من أهل الكتاب أمة قائمة " الآية.
ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليؤس كفور (9) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور (10) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير (11) يخبر تعالى عن الانسان وما فيه من الصفات الذميمة إلا من رحم الله من عباده المؤمنين أنه إذا أصابته شدة بعد نعمة حصل له يأس وقنوط من الخير بالنسبة إلى المستقبل وكفر وجحود لماضي الحال كأنه لم ير خيرا ولم يرج بعد ذلك فرجا وهكذا إن أصابته نعمة بعد نقمة " ليقولن ذهب السيئات عني " أي يقول ما ينالني بعد هذا ضيم ولا سوء " إنه لفرح فخور " أي فرح بما في يده بطر فخور على غيره قال الله تعالى " إلا الذين صبروا " أي على الشدائد والمكاره " وعملوا الصالحات " أي في الرخاء والعافية " أولئك لهم مغفرة " أي بما يصيبهم من الضراء " وأجر كبير " بما أسلفوه في زمن الرخاء كما جاء في الحديث " والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم ولا نصب ولا وصب ولا حزن حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله عنه بها من خطاياه " وفي الصحيحين " والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له: إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له وإن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له وليس ذلك لاحد غير المؤمن " ولهذا قال الله تعالى " والعصر * إن الانسان لفي خسر * إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر " وقال تعالى " إن الانسان خلق هلوعا " الآيات.
فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل (12) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (13) فإن لم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (14)