يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (139) يخبر تعالي عما تمالا عليه فرعون وملاه وما أضمروه لموسى عليه السلام وقومه من الأذى والبغضة " وقال الملا من قوم فرعون " أي لفرعون " أتذر موسى وقومه " أي أتدعهم ليفسدوا في الأرض أي يفسدوا أهل رعيتك ويدعوهم إلى عبادة ربهم دونك. يا لله العجب صار هؤلاء يشفقون من إفساد موسى وقومه! ألا إن فرعون وقومه هم المفسدون ولكن لا يشعرون ولهذا قالوا " ويذرك وآلهتك " قال بعضهم الواو هاهنا حالية أي أتذره وقومه يفسدون في الأرض وقد ترك عبادتك؟ وقرأ ذلك أبي بن كعب وقد تركوك أن يعبدوك وآلهتك حكاه ابن جرير وقال آخرون هي عاطفة أي أتدعهم يصنعون في الفساد ما قد أقررتهم عليه وعلى ترك آلهتك وقرأ بعضهم إلاهتك أي عبادتك وروي ذلك عن ابن عباس ومجاهد وغيره وعلى القراءة الأولى قال بعضهم: كان لفرعون إله يعبده قال الحسن البصري كان لفرعون إله يعبده في السر. وقال في رواية أخرى كان له حنانة في عنقه معلقة يسجد لها. وقال السدي في قوله تعالى " ويذرك وآلهتك " وآلهته فيما زعم ابن عباس كانوا إذا رأوا بقرة حسناء أمرهم فرعون أن يعبدوها فلذلك أخرج لهم السامري عجلا جسدا له خوار. فأجابهم فرعون فيما سألوه بقوله سنقتل أبناءهم ونستحي نساءهم وهذا أمر ثان بهذا الصنيع وقد كان نكل بهم قبل ولادة موسى عليه السلام حذرا من وجوده فكان خلاف ما رامه وضد ما قصده فرعون. وهكذا عومل في صنيعه أيضا لما أراد إذلال بني إسرائيل وقهرهم فجاء الامر على خلاف ما أراد. أعزهم الله وأذله وأرغم أنفه وأغرقه وجنوده ولما صمم فرعون على ما ذكره من المساءة لبني إسرائيل " قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا " ووعدهم بالعاقبة وأن الدار ستصير لهم في قوله " إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين * قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا " أي قد فعلوا بنا مثل ما رأيت من الهوان والاذلال من قبل ما جئت يا موسى ومن بعد ذلك فقال منبها لهم على حالهم الحاضر وما يصيرون إليه في ثاني الحال " عسى ربكم أن يهلك عدوكم " الآية وهذا تحضيض لهم على العزم على الشكر عند حلول النعم وزوال النقم.
ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون (130) فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131) يقول تعالى " ولقد أخذنا آل فرعون " أي اختبرناهم وامتحناهم وابتليناهم " بالسنين " وهي سني الجوع بسبب قلة الزروع " ونقص من الثمرات " قال مجاهد وهو دون ذلك وقال أبو إسحاق عن رجاء بن حياة كانت النخلة لا تحمل إلا ثمرة واحدة " لعلهم يذكرون فإذا جاءتهم الحسنة " أي من الخصب والرزق " قالوا لنا هذه " أي هذا لنا بما نستحقه " وإن تصبهم سيئة " أي جدب وقحط " يطيروا بموسى ومن معه " أي هذا بسببهم وما جاءوا به " ألا إنما طائرهم عند الله " قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " ألا إنما طائرهم عند الله " يقول مصائبهم عند الله " ولكن أكثرهم لا يعلمون " وقال ابن جريج عن ابن عباس قال " ألا إنما طائرهم عند الله " أي من قبل الله.
وقالوا مهما تأتينا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (133) ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل (134) فلما كشفنا عنهم الرجز