فلنأتينك بسحر مثله فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى * قال موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى * فتولى فرعون فجمع كيده ثم أتى " وقال تعالى ههنا.
وجاء السحرة فرعون قالوا إن لنا لاجرا إن كنا نحن الغالبين (113) قال نعم وإنكم لمن المقربين (114) يخبر تعالى عما تشارط عليه فرعون والسحرة الذين استدعاهم لمعارضة موسى عليه السلام إن غلبوا موسى ليثيبنهم وليعطينهم عطاء جزيلا فوعدهم ومناهم أن يعطيهم ما أرادوا ويجعلهم من جلسائه والمقربين عنده فلما توثقوا من فرعون لعنه الله.
قالوا يا موسى إما أن تلقى وإما أن نكون نحن الملقين (115) قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (116) وهذه مبارزة من السحرة لموسى عليه السلام في قولهم " إما أن تلقي وإما أن نكون نحن الملقين " أي قبلك كما قال الآية الأخرى " وإما أن نكون أول من ألقى " فقال لهم موسى عليه السلام ألقوا أي أنتم أولا قيل الحكمة في هذا والله أعلم ليرى الناس صنيعهم ويتأملوه فإذا فرغوا من بهرجهم ومحالهم جاءهم الحق الواضح الجلي بعد التطلب له والانتظار منهم لمجيئه فيكون أوقع في النفوس وكذا كان ولهذا قال تعالى " فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم " أي خيلوا إلى الابصار أن ما فعلوه له حقيقة في الخارج ولم يكن إلا مجرد صنعة وخيال كما قال تعالى " فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى * فأوجس في نفسه خيفة موسى * قلنا لا تخف إنك أنت الاعلى * وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا إن ما صنعوا كيد ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى " قال سفيان بن عيينة: حدثنا أبو سعيد عن عكرمة عن ابن عباس: ألقوا حبالا غلاظا وخشبا طوالا قال فأقبلت يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى وقال محمد بن إسحاق صف خمسة عشر ألف ساحر مع كل ساحر حباله وعصيه وخرج موسى عليه السلام معه أخوه يتكئ على عصاه حتى أتى الجمع وفرعون في مجلسه مع أشراف أهل مملكته ثم قال السحرة " يا موسى إما أن تلقي وإما أن نكون أول من ألقى * قال بل ألقوا فإذا جبالهم وعصيهم " فكان أول ما اختطفوا بسحرهم بصر موسى وبصر فرعون ثم أبصار الناس بعد ثم ألقى كل رجل منهم ما في يده من الحبال والعصي فإذا حياة كأمثال الجبال قد ملأت الوادي يركب بعضها بعضا وقال السدي: كانوا بضعة وثلاثين ألف رجل ليس رجل منهم إلا ومعه حبل وعصا " فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم " يقول فرقوهم أي من الفرق وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية عن هشام الدستوائي حدثنا القاسم بن أبي برة قال جمع فرعون سبعين ألف ساحر فألقوا سبعين ألف حبل وسبعين ألف عصا حتى جعل يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى ولهذا قال تعالى " وجاءوا بسحر عظيم ".
* وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون (117) فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون (118) فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين (119) وألقى السحرة ساجدين (120) قالوا آمنا برب العالمين (121) رب موسى وهارون (122) يخبر تعالى أنه أوحى إلى عبده ورسوله موسى عليه السلام في ذلك الموقف العظيم الذي فرق الله تعالى فيه بين الحق والباطل يأمره بأن يلقي ما في يمينه وهي عصاه " فإذا هي تلقف " أي تأكل " ما يأفكون " أي ما يلقونه ويوهمون أنه حق وهو باطل قال ابن عباس فجعلت لا تمر بشئ من حبالهم ولا من خشبهم إلا إلتقمته فعرفت السحرة أن هذا شئ من السماء ليس هذا بسحر فخروا سجدا وقالوا " آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " وقال محمد بن إسحاق جعلت تتبع تلك الحبال والعصي واحدة واحدة حتى ما يرى بالوادي قليل ولا كثير مما ألقوا ثم أخذها موسى فإذا هي عصا في يده كما كانت ووقع السحرة سجدا " قالوا آمنا برب العالمين رب موسى وهارون " لو كان هذا ساحرا ما غلبنا وقال القاسم بن أبي برة: