صراط " وهو الطريق وهذا الثاني هو قوله " وتصدون عن سبيل الله من آمن به وتبغونها عوجا " أي وتودون أن تكون سبيل الله عوجا مائلة " واذكروا إذ كنتم قليلا فكثركم " أي كنتم مستضعفين لقلتكم فصرتم أعزة لكثرة عددكم فاذكروا نعمة الله عليكم في ذلك " وانظروا كيف كان عاقبة المفسدين " أي من الأمم الخالية والقرون الماضية وما حل بهم من العذاب والنكال باجترائهم على معاصي الله وتكذيب رسله وقوله " وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذين أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا " أي قد اختلفتم علي " فاصبروا " أي انتظروا " حتى يحكم الله بيننا " وبينكم أي يفصل " وهو خير الحاكمين " فإنه سيجعل العاقبة للمتقين والدمار على الكافرين.
* قال الملا الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين (88) قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين (89) هذا خبر من الله تعالى عما واجهت به الكفار نبيه شعيبا ومن معه من المؤمنين في توعدهم إياه ومن معه بالنفي عن القرية أو الاكراه على الرجوع في ملتهم والدخول معهم فيما هم فيه وهذا خطاب مع الرسول والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملة وقوله " أو لو كنا كارهين " يقول أو أنتم فاعلون ذلك ولو كنا كارهين ما تدعونا إليه فإنا إن رجعنا إلى ملتكم ودخلنا معكم فيما أنتم فيه فقد أعظمنا الفرية على الله في جعل الشركاء معه أندادا وهذا تنفير منه من اتباعهم " وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا " وهذا رد إلى الله مستقيم فإنه يعلم كل شئ وقد أحاط بكل شئ علما " على الله توكلنا " أي في أمورنا ما نأتي منها وما نذر " ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق " أي احكم بيننا وبين قومنا وانصرنا عليهم " وأنت خير الفاتحين " أي خير الحاكمين فإنك العادل الذي لا يجور أبدا.
وقال الملا الذين كفروا من قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون (90) فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين (91) الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين (92) يخبر تعالى عن شدة كفرهم وتمردهم وعتوهم وما هم فيه من الضلال وما جبلت عليه قلوبهم من المخالفة للحق ولهذا أقسموا وقالوا " لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون " فلهذا عقبه بقوله " فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين " أخبر تعالى هنا أنهم أخذتهم الرجفة وذلك كما أرجفوا شعيبا وأصحابه وتوعدوهم بالجلاء كما أخبر عنهم في سورة هود فقال " ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين " والمناسبة هناك والله أعلم أنهم لما تهكموا به في قولهم " أصلاتك تأمرك " الآية. فجاءت الصيحة فأسكتتهم وقال تعالى إخبارا عنهم في سورة الشعراء " فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم " وما ذاك إلا لانهم قالوا له في سياق القصة " فأسقط علينا كسفا من السماء " الآية " فأخبر أنه أصابهم عذاب يوم الظلة وقد اجتمع عليهم ذلك كله " أصابهم عذاب يوم الظلة " وهي سحابة أظلتهم فيها شرر من نار ولهب ووهج عظيم ثم جاءتهم صيحة من السماء ورجفة من الأرض شديدة من أسفل منهم فزهقت الأرواح وفاضت النفوس وخمدت الأجسام " فأصبحوا في دارهم جاثمين " ثم قال تعالى " كأن لم يغنوا