البلاد " وذلك لشدة بأسهم وقوتهم كما قال تعالى " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أو لم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون ". وقد كانت مساكنهم باليمن بالأحقاف وهو جبال الرمل قال محمد بن إسحاق عن محمد بن عبد الله بن أبي سعيد الخزاعي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة سمعت عليا يقول لرجل من حضرموت: هل رأيت كثيبا أحمر يخالطه مدرة حمراء ذا أراك وسدر كثير بناحية كذا وكذا من أرض حضرموت؟ هل رأيته؟ قال نعم يا أمير المؤمنين والله إنك لتنعته نعت رجل قد رآه قال لا ولكني قد حدثت عنه فقال الحضرمي وما شأنه يا أمير المؤمنين قال فيه قبر هود عليه السلام رواه ابن جرير وهذا فيه فائدة أن مساكنهم كانت باليمن فإن هودا عليه السلام دفن هناك وقد كان من أشرف قومه نسبا لان الرسل إنما يبعثهم الله من أفضل القبائل وأشرفهم ولكن كان قومه كما شدد خلقهم شدد على قلوبهم وكانوا من أشد الأمم تكذيبا للحق ولهذا دعاهم هود عليه السلام إلى عبادة الله وحده لا شريك له وإلى طاعته وتقواه " قال الملا الذين كفروا من قومه " والملا هم الجمهور والسادة والقادة منهم " إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين " أي في ضلالة حيث تدعونا إلى ترك عبادة الأصنام والاقبال على عبادة الله وحده كما تعجب الملا من قريش من الدعوة إلى إله واحد فقالوا " أجعل الآلهة إلها واحدا " الآية. " قال يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين " أي ليست كما تزعمون بل جئتكم بالحق من الله الذي خلق كل شئ فهو رب كل شئ ومليكه " أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين " وهذه الصفات التي يتصف بها الرسل البلاغ والنصح والأمانة " أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم " أي لا تعجبوا أن بعث الله إليكم رسولا من أنفسكم لينذركم أيام الله ولقاءه بل احمدوا الله على ذاكم " واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح " أي واذكروا نعمة الله عليكم في جعلكم من ذرية نوح الذي أهلك الله أهل الأرض بدعوته لما خالفوه وكذبوه " وزادكم في الخلق بسطة " أي زاد طولكم على الناس بسطة أي جعلكم أطول من أبناء جنسكم كقوله في قصة طالوت " وزاده بسطة في العلم والجسم " " واذكروا آلاء الله " أي نعمه ومنته عليكم " لعلكم تفلحون " والآلاء جمع أل وقيل إلى.
قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين (70) قال قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين (71) فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين (72) يخبر تعالى عن تمردهم وطغيانهم وعنادهم وإنكارهم على هود عليه السلام " قالوا أجئتنا لنعبد الله وحده " الآية.
كقول الكفار من قريش " وإذ قالوا اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم " وقد ذكر محمد بن إسحاق وغيره أنهم كانوا يعبدون أصناما فصنم يقال له صمد وآخر يقال له صمود وآخر يقال له الهنا ولهذا قال هود عليه السلام " قد وقع عليكم من ربكم رجس وغضب " أي قد وجب عليكم بمقالتكم هذه من ربكم رجس قيل هو مقلوب من رجز وعن ابن عباس معناه سخط وغضب " أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " أي أتحاجوني في هذه الأصنام التي سميتموها أنتم وآباؤكم آلهة وهي لا تضر ولا تنفع ولا جعل الله لكم على عبادتها حجة ولا دليلا ولهذا قال " ما نزل الله بها من سلطان فانتظروا إني معكم من المنتظرين ". وهذا تهديد ووعيد من الرسول لقومه ولهذا عقبه بقوله " فأنجيناه والذين معه برحمة منا وقطعنا دابر الذين كذبوا بآياتنا وما كانوا مؤمنين " وقد ذكر الله سبحانه صفة إهلاكهم في أماكن أخر من القرآن بأنه أرسل عليهم