وكان من أشراف ثمود وأفاضلها فأراد أن يسلم أيضا فنهاه أولئك الرهط فأطاعهم فقال في ذلك رجل من مؤمني ثمود يقال له مهوش بن عثمة بن الدميل رحمه الله.
وكانت عصبة من آل عمرو * إلى دين النبي دعوا شهابا عزيز ثمود كلهم جميعا * فهم بأن يجيب فلو أجابا لأصبح صالح فينا عزيزا * وما عدلوا بصاحبهم ذؤابا ولكن الغواة من آل حجر * تولوا بعد رشدهم ذيابا وأقامت الناقة وفصيلها بعد ما وضعته بين أظهرهم مدة تشرب من بئرها يوما وتدعه لهم يوما وكانوا يشربون لبنها يوم شربها يحتلبونها فيملأون ما شاؤوا من أوعيتهم وأوانيهم كما قال في الآية الأخرى " ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر " وقال تعالى " هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم " وكانت تسرح في بعض تلك الأودية ترد من فج وتصدر من غيره ليسعها لأنها كانت تتضلع من الماء وكانت على ما ذكر خلقا هائلا ومنظرا رائعا إذا مرت بأنعامهم نفرت منها فلما طال عليهم واشتد تكذيبهم لصالح النبي عليه السلام عزموا على قتلها ليستأثروا بالماء كل يوم فيقال إنهم اتفقوا كلهم على قتلها قال قتادة بلغني أن الذي قتلها طاف عليهم كلهم أنهم راضون بقتلها حتى على النساء في خدورهن وعلى الصبيان قلت وهذا هو الظاهر لقوله تعالى " فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها " وقال " وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " وقال " فعقروا الناقة " فأسند ذلك على مجموع القبيلة فدل على رضى جميعهم بذلك والله أعلم وذكر الإمام أبو جعفر بن جرير وغيره من علماء التفسير أن سبب قتلها أن امرأة منهم يقال لها عنيزة ابنة غنم بن مجلز وتكنى أم عثمان كانت عجوزا كافرة وكانت من أشد الناس عداوة لصالح عليه السلام وكانت لها بنات حسان ومال جزيل وكان زوجها ذؤاب بن عمرو أحد رؤساء ثمود وامرأة أخرى يقال لها صدقة بنت المحيا بن زهير بن المختار ذات حسب ومال وجمال وكانت تحت رجل مسلم من ثمود ففارقته فكانتا تجعلان لمن التزم لهما بقتل الناقة فدعت صدقة رجلا يقال له الحباب فعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة فأبى عليها فدعت ابن عم لها يقال له مصدع بن مهرج بن المحيا فأجابها إلى ذلك ودعت عنيزة بنت غنم قدار بن سالف بن جذع وكان رجلا أحمر أزرق قصيرا يزعمون أنه كان ولد زنية وأنه لم يكن من أبيه الذي ينسب إليه وهو سالف وإنما هو من رجل يقال له صهياد ولكن ولد على فراش سالف وقالت له أعطيك أي بناتي شئت على أن تعقر الناقة فعند ذلك انطلق قدار بن سالف ومصدع بن مهرج فاستغويا غواة من ثمود فاتبعهما سبعة نفر فصاروا تسعة رهط وهم الذين قال الله تعالى " وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون " وكانوا رؤساء في قومهم فاستمالوا القبيلة الكافرة بكمالها فطاوعتهم على ذلك فانطلقوا فرصدوا الناقة حين صدرت من الماء وقد كمن لها قدار بن سالف في أصل صخرة على طريقها وكمن لها مصدع في أصل أخرى فمرت على مصدع فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها وخرجت بنت غنم عنيزة وأمرت ابنتها وكانت من أحسن الناس وجها فسفرت عن وجهها لقدار وزمرته وشد عليها قدار بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرجت ساقطة إلى الأرض ورغت رغاة واحدة تحذر سقبها ثم طعن في لبتها فنحرها وانطلق سقبها وهو فصيلها حتى أتى جبلا منيعا فصعد أعلى صخرة فيه ورغا فروى عبد الرزاق عن معمر عمن سمع الحسن البصري أنه قال يا رب أين أمي ويقال أنه رغا ثلاث مرات وأنه دخل في صخرة فغاب فيها ويقال إنهم اتبعوه فعقروه مع أمه فالله أعلم. فلما فعلوا ذلك وفرغوا من عقر الناقة وبلغ الخبر صالحا عليه السلام فجاءهم وهم مجتمعون فلما رأى الناقة بكى وقال " تمتعوا في داركم ثلاثة أيام " الآية. وكان قتلهم الناقة يوم الأربعاء فلما أمسى أولئك التسعة الرهط عزموا على قتل صالح وقالوا إن كان صادقا عجلناه قبلنا وإن كان كاذبا ألحقناه بناقته " قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم "