فصل وفائدة الاستثناء أن يخرج الحالف من الكذب إذا لم يفعل حلف عليه، كقوله تعالى في قصة موسى: * (ستجدني إن شاء الله صابرا) *، ولم يصبر، فسلم من الكذب لوجود الاستثناء في حقه. ولا تختلف الرواية عن أحمد أنه لا يصح الاستثناء في الطلاق والعتاق، وأنه إذا قال:
أنت طالق أن شاء الله، وأنت حر إن شاء الله، أن ذلك يقع، وهو قول مالك; وقال أبو حنيفة والشافعي: لا يقع شئ من ذلك. وأما اليمين بالله تعالى، فإن الاستثناء فيها يصح، بخلاف الطلاق، وكذلك الاستثناء في كل ما يكفر، كالظهار، والنذر، لأن الطلاق والعتاق لفظه لفظ إيقاع، وإذا علق به المشيئة، علمنا وجودها، لوجود لفظ الإيقاع من جهته، بخلاف سائر الأيمان، لأنها ليست بموجبات للحكم، وإنما تتعلق بأفعال مستقبلة.
وقد اختلف في الوقت الذي يصح فيه الاستثناء على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه لا يصح الاستثناء إلا موصولا بالكلام، وقد روي عن أحمد نحو هذا، وبه قال أكثر الفقهاء.
والثاني: أنه يصح ما دام في المجلس قاله الحسن وطاووس، وعن أحمد نحوه.
والثالث: أنه لو استثنى بعد سنة، جاز، قاله ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو العالية، وقال ابن جرير الطبري: الصواب للإنسان أن يستثني ولو بعد حنثه في يمينه، فيقول:
إن شاء الله، ليخرج بذلك مما ألزمه الله في هذه الآية، فيسقط عنه الحرج، فأما الكفارة فلا تسقط عنه بحال، إلا أن يكون الاستثناء موصولا بيمينه، ومن قال: له ثنياه ولو بعد سنة، أراد سقوط الحرج الذي يلزمه بترك الاستثناء دون الكفارة.
قوله تعالى: * (وقل عسى أن يهديني ربي) * قرأ نافع، وأبو عمرو: " يهديني ربي " بياء في الوصل دون الوقف. وقرأ ابن كثير بياء في الحالين. وقرأ ابن عامر، وعاصم، وحمزة، والكسائي بغير ياء في الحالين.
وفي معنى الكلام قولان:
أحدهما: عسى أن يعطيني ربي من الآيات والدلالات على النبوة ما يكون أقرب في الرشد وأدل من قصة أصحاب الكهف، ففعل الله له ذلك، وآتاه من علم غيوب