بيوتكم) * أي: بيوتا ليست لكم. واختلف القراء في باء البيوت، فقرأ بعضهم بضمها، وبعضهم بكسرها. وقد بينا ذلك في [سورة] البقرة.
قوله تعالى: * (حتى تستأنسوا) * قال الفراء: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: حتى تسلموا وتستأنسوا. قال الزجاج: و " تستأنسوا " في اللغة، بمعنى تستأذنوا، وكذلك في هو في التفسير، والاستئذان: الاستعلام، تقول: آذنته بكذا، أي: أعلمته، وآنست منه كذا، أي: علمت منه، ومثله: * (فإن آنستم منهم رشدا) * أي: علمتم. فمعنى الآية: حتى تستعلموا، يريد أهلها أن تدخلوا، أم لا؟ قال المفسرون: وصفة الاستعلام أن تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ولا يجوز أن تدخل بيت غيرك إلا بالاستئذان، لهذه الآية، * (ذلكم خير لكم) * من أن تدخلوا بغير إذن * (لعلكم تذكرون) * أن الاستئذان خير فتأخذون به، قال عطاء: قلت لابن عباس: أستأذن على أمي وأختي ونحن في بيت واحد؟ قال: أيسرك أن ترى منهن عورة؟ قلت: لا، قال: فاستأذن.
قوله تعالى: * (فإن لم تجدوا فيها أحدا) * أي: إن وجدتموها خالية * (فلا تدخلوا وإن قيل لكم ارجعوا) * أي: إن ردوكم فلا تقفوا على أبوابهم وتلازموها، * (ولا هو أزكى لكم) * يعني: الرجوع خير لكم وأفضل * (والله بما تعملون) * من الدخول بإذن وغير إذن * (عليم) *.
فصل وهل هذه الآية منسوخة، أم لا؟ فيها قولان:
أحدهما: أن حكمها عام في جميع البيوت، ثم نسخت منها البيوت التي ليس لها أهل يستأذنون بقوله تعالى: * (ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) *، هذا مروي عن الحسن، وعكرمة.
والثاني: أن الآيتين محكمتان، فالاستئذان شرط في الأولى إذا كان للدار أهل، والثانية وردت في بيوت لا ساكن لها، والإذن لا يتصور من غير آذن، فإذا بطل الاستئذان، لم تكن البيوت الخالية داخلة في الأولى، وهذا أصح.
قوله تعالى: * (أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة) * فيها خمسة أقوال:
أحدها: أنها الخانات والبيوت المبينة للسابلة ليأووا إليها، ويؤووا أمتعتهم، قاله قتادة.
والثاني: أنها البيوت الخربة، والمتاع: قضاء الحاجة فيها من الغائط والبول، قاله عطاء.
والثالث: أنها بيوت مكة، قاله محمد بن الحنفية.
والرابع: حوانيت التجار التي بالأسواق، قاله ابن زيد.
والخامس: أنها جميع البيوت التي لا ساكن لها، لأن الاستئذان إنما جعل لأجل الساكن،