ثم ذكر المؤمنين فقال: * (إن الذين هم خشية ربهم مشفقون) * وقد شرحنا هذا المعنى في قوله: * (وهم من خشيته مشفقون) *.
قوله تعالى: * (والذين يؤتون ما آتوا) * وقرأ عاصم الجحدري: " يأتون ما أتوا " بقصر همزة " أتوا ". وسألت عائشة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن هذه الآية فقالت: يا رسول الله، أهم الذين يذنبون وهم مشفقون؟ فقال: " لا، بل هم الذين يصلون وهم مشفقون، ويصومون وهم مشفقون، ويتصدقون وهم مشفقون أن لا يتقبل منهم ". قال الزجاج: فمعنى: " يؤتون ": يعطون ما أعطوا وهم يخافون أن لا يتقبل منهم، * (أنهم إلى ربهم راجعون) * أي: لأنهم يوقنون أنهم يرجعون.
ومعنى " يأتون ": يعملون الخيرات وقلوبهم خائفة أن يكونوا مع اجتهادهم مقصرين، * (أولئك يسارعون في الخيرات) * وقرأ أبو المتوكل، وابن السميفع: " يسرعون " برفع الياء وإسكان السين وكسر الراء من غير ألف. قال الزجاج: يقال: أسرعت وسارعت في معنى واحد، إلا أن " سارعت " أبلغ من " أسرعت "، * (وهم لها) * أي: من أجلها، وهذا كما تقول: أنا أكرم فلانا لك، أي: من أجلك. وقال بعض أهل العلم: الوجل المذكور هاهنا واقع على مضمر.
ولا نكلف نفسا إلا وسعها ولدينا كتاب ينطق بالحق وهم يظلمون " 62 " في غمرة من هذا ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون " 63 " حتى إذا أخذنا مترفيهم بالعذاب إذا هم يجئرون " 64 " لا تجأروا اليوم إنكم منا لا تنصرون " 65 " قد كانت آياتي تتلى عليكم فكنتم على أعقابكم تنكصون " 66 " مستكبرين به سامرا تهجرون " 67 " قوله تعالى: * (ولدينا كتاب) * يعني: اللوح المحفوظ * (ينطق بالحق) * قد أثبت فيه أعمال الخلق، فهو ينطق بما يعملون * (وهم لا يظلمون) * أي: لا ينقصون من ثواب أعمالهم. ثم عاد إلى الكفار، فقال: * (بل قلوبهم في غمرة من هذا) * قال مقاتل: في غفلة عن الإيمان بالقرآن. وقال ابن جرير: في عمى عن هذا القرآن. قال الزجاج: يجوز أن يكون إشارة إلى ما وصف من أعمال البر في قوله: * (أولئك يسارعون في الخيرات) *، فيكون المعنى: بل قلوب هؤلاء في عماية من هذا; ويجوز أن يكون إشارة إلى الكتاب، فيكون المعنى: بل قلوبهم في غمرة من الكتاب الذي ينطق بالحق وأعمالهم محصاة فيه.
فخرج في المشار إليه ب " هذا " ثلاثة أقوال.
أحدها: القرآن.