والثاني: أنه جهاد الكفار، قاله الضحاك.
والثالث: أنه جهاد النفس والهوى، قاله عبد الله بن المبارك.
فأما حق الجهاد، ففيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الجد في المجاهدة، واستيفاء الإمكان فيها.
والثاني: أنه إخلاص النية لله عز وجل.
والثالث: أنه فعل ما فيه وفاء لحق الله عز وجل.
فصل وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة، واختلفوا في ناسخها على قولين:
أحدهما: قوله: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) *.
والثاني: قوله: * (فاتقوا الله ما استطعتم) * وقال آخرون: بل هي محكمة، ويؤكده القولان الأولان في تفسير حق الجهاد، وهو الأصح، لأن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها.
قوله تعالى: * (هو اجتباكم) * أي: اختاركم واصطفاكم لدينه. والحرج: الضيق، فما من شئ وقع الإنسان فيه إلا وجد له في الشرع مخرجا بتوبة أو كفارة أو انتقال إلى رخصة ونحو ذلك.
وروي عن ابن عباس أنه قال: الحرج: ما كان على بني إسرائيل من الإصر والشدائد، وضعه الله عن هذه الأمة.
قوله تعالى: * (ملة أبيكم) * قال الفراء: المعنى: وسع عليكم كملة أبيكم، فإذا ألقيت الكاف نصبت، ويجوز النصب على معنى الأمر بها، لأن أول الكلام أمر، وهو قوله تعالى:
* (اركعوا واسجدوا) * والزموا ملة أبيكم.
فإن قيل: هذا الخطاب للمسلمين، وليس إبراهيم أبا لكلهم.
فالجواب: أنه إن كان خطابا عاما للمسلمين، فهو كالأب لهم، لأن حرمته وحقه عليكم كحق الوالد، وإن كان خطاب للعرب خاصة، فإبراهيم أبو العرب قاطبة، هذا قول المفسرين.
والذي يقع لي أن الخطاب لرسول الله [صلى الله عليه وسلم]، لأن إبراهيم أبوه، وأمة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] داخلة فيما خوطب به رسول الله.