جاء من عند معلمه، قال: جئت من عند كبيري.
قوله تعالى: * (ولأصلبنكم في جذوع النخل) * " في " بمعنى " على "، ومثله: * (أم لهم سلم يستمعون فيه) *. * (ولتعلمن) * أيها السحرة * (أينا أشد عذابا) * لكم * (وأبقى) * أي: أدوم، أنا على إيمانكم، أو رب موسى على ترككم الإيمان به؟ * (قالوا لن نؤثرك) * أي: لن نختارك * (على ما جاءنا من البينات) * يعنون اليد والعصا.
فإن قيل: لم نسبوا الآيات إلى أنفسهم بقولهم: " جاءنا " وإنما جاءت عامة لهم ولغيرهم.
فالجواب أنهم لما كانوا بأبواب السحر ومذاهب الاحتيال أعرف من غيرهم، وقد علموا أن ما جاء به موسى ليس بسحر، كان ذلك في حق غيرهم أبين وأوضح، وكانوا هم لمعرفته أخص.
قوله تعالى: * (والذي فطرنا) * وجهان ذكرهما الفراء، والزجاج.
أحدهما: أن المعنى: لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات، وعلى الذي فطرنا.
والثاني: أنه قسم، تقديره: وحق الذي فطرنا.
قوله تعالى: * (فاقض ما أنت قاض) * أي: فاصنع ما أنت صانع. وأصل القضاء: عمل بإحكام * (إنما تقضي هذه الحياة الدنيا) * قال الفراء: " إنما " حرف واحد، فلهذا نصب: " الحياة الدنيا ". ولو قرأ قارئ برفع " الحياة " لجاز، على أن يجعل " ما " في مذهب " الذي "، كقولك: إن الذي تقضي هذه الحياة الدنيا. وقرأ ابن أبي عبلة، وأبو المتوكل: " إنما تقضى " بضم التاء على ما لم يسم فاعله، " الحياة " برفع التاء. قال المفسرون: والمعنى إنما سلطانك وملكك في هذه الدنيا، لا في الآخرة.
قوله تعالى: * (ليغفر لنا) * يعنون الشرك * (وما أكرهتنا عليه) * أي: والذي أكرهتنا عليه، أي: ويغفر لنا إكراهك إيانا على السحر.
فإن قيل: كيف قالوا: أكرهتنا، وقد قالوا: * (إن لنا لأجرا) * وفي هذا دليل على أنهم فعلوا السحر غير مكرهين؟ فعنه أربعة أجوبة:
أحدهما: أن فرعون كان يكره الناس على تعلم السحر، قال ابن عباس. قال ابن الأنباري:
كان يطالب بعض أهل مملكته بأن يعلموا أولادهم السحر وهم لذلك كارهون، وذلك لشغفه بالسحر، ولما خامر قلبه من خوف موسى، فالإكراه على السحر، هو الإكراه على تعلمه في أول الأمر.
والثاني: أن السحرة لما شاهدوا موسى بعد قولهم: " أئن لنا لأجرا " ورأوا ذكره الله تعالى وسلوكه منهاج المتقين، جزعوا من ملاقاته بالسحر، وحذروا أن يظهر عليهم فيطلع على ضعف