للنار - أو قال: لجهنم - ضجيجا من بردهم ". وروي عن ابن عباس أنه سأله نافع بن الأزرق عن هذه الآية، فقال له: " أما أنا وأنت فسندخلها، فانظر أيخرجنا الله عز وجل منها، أم لا؟ فاحتج بقوله تعالى * (فأوردهم النار) * وبقوله تعالى: * (أنتم لها واردون) *. وكان عبد الله بن رواحة يبكي ويقول: أنبئت أني وارد، ولم أنبأ أني صادر. وحكى الحسن البصري: أن رجلا قال لأخيه: يا أخي هل أتاك أنك وارد النار؟ قال: نعم; قال: فهل أتاك أنك خارج منها؟ قال: لا; قال: ففيم الضحك؟! وقال خالد بن معدان: إذا دخل أهل الجنة الجنة، قالوا: ألم يعدنا ربنا أن نرد النار؟
فيقال لهم: بلى، ولكن مررتم بها وهي خامدة.
وممن ذهب إلى أنه الدخول: الحسن في رواية، وأبو مالك. وقد اعترض على أرباب هذا القول بأشياء. فقال الزجاج: العرب تقول: وردت بلد كذا، ووردت ماء كذا: إذا أشرفوا عليه وإن لم يدخلوا، ومنه قوله تعالى: * (ولما ورد ماء مدين) * والحجة القاطعة في هذا القول قوله تعالى:
* (أولئك عنها مبعدون. لا يسمعون حسيسها) *، وقال زهير:
- فلما وردن الماء زرقا جمامه * وضعن عصي الحاضر المتخيم - أي: لما بلغن الماء قمن عليه.
قلت: وقد أجاب بعضهم عن هذه الحجج، فقال: أما الآية الأولى، فإن موسى لما أقام حتى استقى الماء وسقى الغنم، كان بلبثه ومباشرته كأنه دخل، وأما الآية الأخرى; فإنها تضمنت الإخبار عن أهل الجنة حين كونهم فيها، وحينئذ لا يسمعون حسيسها. وقد روينا آنفا عن خالد بن معدان أنهم يمرون بها، ولا يعلمون.
والثاني: أن الورود: الممر عليها، قاله عبد الله بن مسعود، وقتادة. وقال ابن مسعود: يرد الناس النار، ثم يصدرون عنها بأعمالهم، فأولهم كلمح البرق، ثم كالريح، ثم كحضر الفرس، ثم كشد الرحل، ثم كمشية.
والثالث: أو ورودها: حضورها، قاله عبيد بن عمير.
والرابع: أو ورود المسلمين: المرور على الجسر، وورود المشركين: دخولها. قاله ابن زيد.
والخامس: أن ورود المؤمن إليها: ما يصيبه من الحمى في الدنيا، روى عثمان بن الأسود عن مجاهد أنه قال: الحمى حظ كل مؤمن من النار، ثم قرأ: * (وإن منكم إلا واردها) * فعلى هذا