(ثانيها) أن ما ادعاه من كلية طهارة ما علم زوال النجاسة عنه في غير الفردين المذكورين دعوى لا دليل عليها، بل للخصم أن يقلب ذلك عليه ويقول: إن كل متنجس يجب تطهيره بالماء إلا ما خرج بدليل، ولا شك أن هذه الكلية أكثر أفرادا وأشمل أعدادا من الكلية التي ادعاها، لما عرفت من الأوامر الواردة بغسل الأواني وإزالة النجاسات عن الثوب والبدن وغسل الفرش والبسط ونحو ذلك. ونحن لم نجد من أفراد الكلية التي ادعاها في النصوص سوى الفردين المذكورين، وهما طهارة البواطن وطهارة أعضاء الحيوان بالغيبة. وهل يصح في الأذهان السليمة والطباع المستقيمة أن يدعى في الأحكام الشرعية المبنية على التوقيف والسماع من صاحب الشرع حكم كلي وقاعدة مطردة ولم يرد لها في الخارج عنهم (عليهم السلام) إلا فردان أو ثلاثة؟ ما هذا إلا نوع من الاجتهاد الصرف والتخريج البحت، بل لم يبلغ المجتهدون الذين قد بسط عليهم لسان التشنيع في جملة مصنفاته، سيما رسالته المسماة بسفينة النجاة إلى مثل هذا، لأن قصارى ما ربما يرتكبه بعضهم الحاق بعض الأفراد الغير المنصوصة بما هو منصوص واثبات الحكم في مادة جزئية، لا اثبات حكم كلي وقانون أصلي مع كونه خاليا من الدليل بمجرد وجود فرد أو فردين ولو كان هذا الحكم كما يدعيه كليا مع مطابقته للسهولة والتخفيف الذين عليهما بناء الشريعة المحمدية، لتكثرت في الخارج أفراده واستفاضت عنهم (عليهم السلام) جزئياته إن لم يصرحوا بكليته.
(ثالثها) أنه قد اختار في مسألة الأرض والبواري ونحوها إذا جففتها الشمس بعد زوال عين النجاسة عدم الطهارة، بل حكم بالعفو خاصة مع بقاء النجاسة وعدم طهرها إلا بالماء. مع أن هذا مما يدخل تحت هذه القاعدة التي ادعاها هنا. إذ هو مما علم زوال النجاسة عنه قطعا. فلم لم يحكم بطهره؟ بل حكم بالنجاسة، مستدلا