والتحقيق أن يقال: إنه لما كان الغرض من التعريف حيث كان هو بيان حكم كلي وقاعدة تبتني عليها الأحكام الشرعية، فلا بد من ابتنائه على الدليل الشرعي ولا تعلق له بالخلاف الوفاق، وحينئذ فإن أريد بالتعريف هنا بالنظر إلى ما أطلق فيه لفظ السؤر من الأخبار، ففيه أنه لا دلالة في الأخبار على الانحصار في خصوصية الشرب بالفم، إذ غاية ما فيها كما ستمر بك إن شاء الله تعالى السؤال عن سؤر ذلك الحيوان هل يتوضأ منه ويشرب أم لا؟ بل فيها ما يدل على اطلاق السؤر على الفضلة من الجوامد، كأخبار الهرة التي منها قول علي (عليه السلام) في صحيحة زرارة (1): " أن الهر سبع ولا بأس بسؤره، وإني لأستحيي من الله أن أدع طعاما لأن الهر أكل منه " وإن أريد بالنظر إلى ما دل عليه بعض الأخبار من المغايرة بين السؤر وذي السؤر في الحكم أو الاتفاق، فالمفهوم منها أيضا ما هو أعم من المباشرة بالفم أو غيره، كما في صحيحة عيص بن القاسم (2) حيث قال (عليه السلام):
" وتوضأ من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة وتغسل يدها قبل أن تدخلها الإناء " وبالجملة فالأظهر في التعريف بالنظر إلى ظواهر الأخبار تعميم الحكم في المباشرة بالفم وغيره ماء كان أو غيره. نعم متى أريد السؤر من الماء خاصة اختص بالتعميم الأول.
على أن الحق أن يقال: إن أفراد السؤر بالبحث على حدة وجعله قسيما للمطلق مع كونه قسما منه مما لم يقم عليه دليل، وإن جرت الأصحاب (رضوان الله عليهم) على ذلك جيلا بعد جيل، فإن الذي يظهر من الأخبار أن الأمر لا يبلغ إلى هذا المقدار الموجب لاستقلاله وامتيازه عن المطلق على حياله، وتوضيحه أن