إنما سأل عن عمق الماء ليعلم نسبة الماء إلى تلك النجاسات المذكورة إنما هو من قبيل المعميات والألغاز، كما لا يخفى على من أنصف وجانب التعسفات، إذ مقتضى المقايسة التي التجأ إليها وعول في المقام عليها هو معلومية كل من الماء والنجاسة ليمكن نسبة كل منهما إلى الآخر، وهب أن الماء هنا بسؤاله (عليه السلام) صار معلوما، فمن أين حصل العلم بالنجاسة الحاصلة من ورود تلك السباع والكلاب وأمثالها على وجه تكون مغيرة للماء مع عدم ظهوره حسا؟ فإن ذلك يتفاوت بتفاوت أفراد الواردة وأفراد ورودها قلة وكثرة فيهما، وليس ذلك أمرا مضبوطا ولا حدا معلوما حتى يصح ابتناء الأحكام الشرعية عليه وجعله قاعدة ممهدة لذلك. والعادة التي ادعاها (طاب ثراه) وعنون بها الباب قصارى معرفتها والاعتماد عليها إن سلمنا ذلك في مثل مياه البيوت ونحوها مما يمكن ملاحظتها واستعلامها. وأما في مثل مياه الطرق والصحاري ومنها ما تضمنه الخبر، فغير ممكن (1) على أنا نقول من أين يلزم في كل نجاسة لاقت الماء أن يكون لها عين بحيث ينفصل منها أجزاء تداخل الماء؟ حتى يحصل ذلك قانون كلي وضابط جلي وهو التحديد بالكرية في تلك الأخبار. وعلى تقدير احتمال مداخلة أجزاء النجاسة في الماء مع عدم ظهورها حسا، فما الدليل على الحكم بالنجاسة بهذه المقايسة والنسبة؟ وكيف يتيسر لنا العلم بذلك؟ اللهم إلا أن نعمد إلى كل نوع من أنواع النجاسة فنضعه في فرد من أفراد المياه بشرط معلومية كل منهما كيلا أو وزنا أو تخمينا، ونعتبر تغيره وعدمه، ثم نقيس عليه بعد ذلك ما قل أو كثر. فلينظر المنصف إلى ذلك فأي حرج أعظم منه؟ مع ادعائه سابقا لزوم الحرج في اشتراط
(٣١٩)