الماء قلتين لم يحمل خبثا " (1) وكون الحمل فيه محتملا لأن يكون بمعنى الظهور، فمعنى عدم حمله الخبث عدم إظهاره له المستلزم لوجوده فيه واقعا، وإن لم يظهر حسا فهو حديث عامي (2) لا يقوم به حجة علينا. نعم هو موافق لمقتضى ما ذهب إليه وعول عليه، فلذا أطال في الجواب عما عسى يرد عليه بقوله: " فإن قيل القلتان.. الخ " وأما أخبارنا فالذي فيها أنه " إذا بلغ كرا لم ينجسه شئ " (3) ولا مجال في لفظ التنجيس لذلك المعنى الذي ذكره، بل هو عبارة عن جعل شئ شيئا أخر نجسا بسبب ملاقاته له برطوبة، كما هو معلوم بالنسبة إلى ملاقاة النجاسة لجميع المائعات ونحوها. نعم قد تستلزم الملاقاة التغير، كما إذا غلبت أوصاف النجاسة أوصاف الماء، إلا أن هذا الفرد غير مراد هنا، كما أشعرت به صحيحة زرارة السالفة (4) الدالة على استثنائه من النجاسة بالملاقاة.
ومع الاغماض عن ذلك الحكم أعم. ولا دليل على التخصيص والتقييد إلا مجرد خيالات لا تعتبر ولا تفيد.
و (أما سادسا) فما ذكره من أن الناس قد يستنجون في المياه التي تكون في الغدران.. الخ فهو مجرد دعوى خالية من الدليل، وخيال ليس فيه إلا مجرد التسجيل والتطويل، لأن التغير الذي قام الدليل على التنجيس به هو المحسوس، فإن وجد في الماء حكم عليه بالنجاسة، وإلا فهو على يقين الطهارة وأصالتها، وسعة الحنيفية وسهولتها.