والتمسك بأصالة الطهارة هنا ضعيف، لما حققناه سابقا (1) من أن أفراد الكلية القائلة: " الماء كله طاهر حتى يعلم أنه قذر " إنما هي الأشياء المقطوع بطهارتها شرعا والمعلومة كذلك بالنسبة إلى الأشياء المقطوع بنجاستها شرعا والمعلومة كذلك، فإنه لا يحكم بخروج بعض أفراد الأول إلى الثاني إلا بعلم ويقين. والغرض منه كما عرفت هو دفع الوساوس الشيطانية والشكوك. وعدم معارضتها للعلم واليقين الثابت أولا.
وإن الماء من أفراده ما هو طاهر يقينا وهو ظاهر، ومنه ما هو نجس يقينا وهو القليل المعلوم ملاقاة النجاسة له، فالكلية المذكورة قد أفادت أنه لا يخرج عن الحكم الأول إلى الثاني إلا بعلم ويقين. وهذا الماء المختلف السطوح إذا كان قدر كر ولاقت النجاسة بعض أجزائه ليس بمقطوع على طهارته ولا على نجاسته بل هو مشكوك فيه.
وبالجملة فالشك المنفي في مقابلة يقين الطهارة هو ما كان شكا في عروض النجاسة لا شكا في سببية النجاسة.
والتمسك بالاستصحاب إنما هو فيما إذا دل الدليل على الحكم مطلقا كما هو التحقيق في المسألة. وهو في موضع البحث ممنوع، لما عرفت. ودلالته عليه قبل عروض النجاسة لا تقتضي انسحاب ذلك إلى ما بعده إلا بدليل آخر، لتغاير الحالين.
وينشأ من اطلاق الأخبار بأن بلوغ الماء كرا عاصم له عن الانفعال بالملاقاة.
والأخبار الدالة على التحديد بالمساحة وإن أفهمت بحسب الظاهر اعتبار الاجتماع فيه إلا أنه، إن أخذ الاجتماع فيها على الهيئة التي دلت عليها فلا قائل به اجماعا، وإن أخذ الاجتماع الذي هو عبارة عن مجرد تساوي السطوح فلا دلالة لها عليه صريحا.
مع معارضته بظهور احتمال محض التقدير كما تضمنته أخبار التقدير بالوزن. وباقي الوجوه المذكورة وإن تضمنت نوع مناسبة لذلك إلا أن الظاهر أنها لا تصلح لتأسيس حكم شرعي.