دوام النبع " فعنده الشرط فيه أحد الأمرين: أما الكرية أو دوام النبع.
واختلف كلام من تأخر عنه في فهم معنى هذا الكلام وما المراد منه.
فقيل: إن المراد بدوام النبع عدم الانقطاع في أثناء الزمان ككثير من المياه التي تخرج زمن الشتاء وتجف في الصيف، وهو الذي صرح به شيخنا الشهيد الثاني في كتاب روض الجنان، ولذلك اعترض عليه وطالبه بالدليل. ولا ريب أن هذا المعنى هو الأربط باللفظ والأقرب إليه، لكونه المتبادر منه عرفا، ولكنه مما يقطع بفساده.
(أما الأول) فلأنه لا شاهد له في الأخبار، ولا يساعد عليه الاعتبار، فهو تخصيص لعموم الأدلة بمجرد التشهي.
و (أما ثانيا) فلأن الدوام بالمعنى المذكور، إن أريد به ما يعم الزمان كله فلا ريب في بطلانه، إذ لا سبيل إلى العلم به، وإن خص ببعضها فهو مجرد تحكم.
وبالجملة فالظاهر أن فساده مما لا يخفى على ذلك المحقق النحرير، فساحة شأنه أجل من أن يجري منه به قلم التحرير.
وقيل: إن المراد بدوام النبع استمراره حال ملاقاة النجاسة، وهذا هو الذي ذكره المحقق الشيخ علي بعد أن أطال في التشنيع على من فسر تلك العبارة بالمعنى الأول واستحسن هذا المعنى جملة ممن تأخر عنه، وهو وإن كان خلاف ظاهر اللفظ إلا أنه في حد ذاته مستقيم، إذ متى كان حال ملاقاة النجاسة غير مستمر النبع كان بمنزلة القليل. وأنت خبير بأن مرجعه إلى اعتبار المادة، وحينئذ فلا يزيد على اشتراط الجريان إذ الجاري كما عرفت هو النابع، فزيادة هذا القيد حينئذ ليس بمحل من الفائدة.
وبعض محققي متأخري المتأخرين وجه كلام المحقق المذكور فقال بعد نقله واستحسانه: " وتقريبه أن عدم الانفعال بالملاقاة في قليل الجاري معلق بوجود المادة كما علمت، فلا بد في الحكم بعدم الانفعال فيه من العلم بوجودها حال ملاقاة النجاسة،