الغرباء وبالمغرب إلى وقتنا هذا قوم على مذهب الأباضية يعرفون بالصفرية يزعمون أنهم أخذوا ذلك عن عكرمة وقال يحيى بن بكير قدم عكرمة مصر فنزل بها دارا وخرج منها إلى المغرب فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا وروى الحاكم في تاريخ نيسابور عن يزيد النحوي قال كنت قاعدا عند عكرمة فأقبل مقاتل بن حبان وأخوه فقال له مقاتل يا أبا عبد الله ما تقول في نبيد الجر فقال عكرمة هو حرام قال فما تقول فيمن يشربه قال أقول إن من شربه كفر قال يزيد فقلت والله لا أدعه أبدا قال فوثب مغضبا قال فلقيته بعد ذلك في مفازة فرد فسلمت عليه وقلت له كيف أنت فقال بخير مالم أرك وقال الدراوردي توفى عكرمة وكثير عزة في يوم واحد فعجب الناس لموتهما واختلاف رأيهما عكرمة يظن به رأى الخوارج يكفر بالذنب وكثير شيعي مؤمن بالرجعة إلى الدنيا وأما الوجه الثالث فقال أبو طالب قلت لأحمد ما كان شأن عكرمة قال كان ابن سيرين لا يرضاه قال كان يرى رأى الخوارج وكان يأتي الامراء يطلب جوائزهم ولم يترك موضعا إلا خرج إليه وقال عبد العزيز بن أبي رواد رأيت عكرمة بنيشابور فقلت له تركت الحرمين وجئت إلى خراسان قال جئت أسعى على عيالي وقال أبو نعيم قدم على الوالي بأصبهان فأجازه بثلاثة آلاف درهم هذا جميع ما قيل فيه من القدح فاما الوجه الأول فقول ابن عمر لم يثبت عنه لأنه من رواية أبى خلف الجزار عن يحيى البكاء أنه سمع ابن عمر يقول ذلك ويحيى البكاء متروك الحديث قال ابن حبان ومن المحال أن يجرح العدل بكلام المجروح وقال ابن جرير أن ثبت هذا عن ابن عمر فهو محتمل لاوجه كثيرة لا يتعين منه القدح في جميع روايته فقد يمكن أن يكون أنكر عليه مسئلة من المسائل كذبه فيها (قلت) وهو احتمال صحيح لأنه روى عن ابن عمر أنه أنكر عليه الرواية عن ابن عباس في الصرف ثم استدل ابن جرير على أن ذلك لا يوجب قدحا فيه بما رواه الثقات عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه قال إذ قيل له إن نافعا مولى ابن عمر حدث عن ابن عمر في مسئلة الاتيان في المحل المكروه كذب العبد على أبى قال ابن جرير ولم يروا ذلك من قول سالم في نافع جرحا فينبغي أن لا يروا ذلك من ابن عمر في عكرمة جرحا وقال ابن حبان أهل الحجاز يطلقون كذب في موضع أخطأ ذكر هذا في ترجمة برد من كتاب الثقات ويؤيد ذلك إطلاق عبادة ابن الصامت قوله كذب أبو محمد لما أخبر أنه يقول الوتر واجب فإن أبا محمد لم يقله رواية وإنما قاله اجتهادا والمجتهد لا يقال إنه كذب إنما يقال إنه أخطأ وذكر ابن عبد البر لذلك أمثلة كثيرة وأما قول سعيد بن المسيب فقال ابن جرير ليس ببعيد أن يكون الذي حكى عنه نظير الذي حكى عن ابن عمر (قلت) وهو كما قال فقد تبين ذلك من حكاية عطاء الخراساني عنه في تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة ولقد ظلم عكرمة في ذلك فإن هذا مروي عن ابن عباس من طرق كثيرة أنه كان يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهو محرم ونظير ذلك ما تقدم عن عطاء وسعيد بن جبير ويقوي صحة ما حكاه ابن حبان أنهم يطلقون الكذب في موضع الخطأ ما سيأتي عن هؤلاء من الثناء عليه والتعظيم له فإنه دال على أن طعنهم عليه إنما هو في هذه المواضع المخصوصة وكذلك قول ابن سيرين الظاهر أنه طعن عليه من حيث الرأي وإلا فقد قال خالد الحذاء كل ما قال محمد بن سيرين ثبت عن ابن عباس فإنما أخذه عن عكرمة وكان لا يسميه لأنه لم يكن يرضاه وأما رواية يزيد بن أبي زياد عن علي بن عبد الله بن عباس في تكذيبه فقد ردها أبو حاتم بن حبان
(٤٢٦)