أن ذلك كان قبل النهى وهذا يحتاج إلى تاريخ ويؤيده أن سياق قصة عبد الرحمن يشعر بأنها كانت في أوائل الهجرة وأكثر من روى النهى ممن تأخرت هجرته * ثانيها أن أثر الصفرة التي كانت على عبد الرحمن تعلقت به من جهة زوجته فكان ذلك غير مقصود له ورجحه النووي وعزاه للمحققين وجعله البيضاوي أصلا رد إليه أحد الاحتمالين أبداهما في قوله مهيم فقال معناه ما السبب في الذي أراه عليك فلذلك أجاب بأنه تزوج قال ويحتمل أن يكون استفهام انكار لما تقدم من النهى عن التضمخ بالخلوق فأجاب بقوله تزوجت أي فتعلق بي منها ولم أقصد إليه * ثالثها أنه كان قد احتاج إلى التطيب للدخول على أهله فلم يجد من طيب الرجال حينئذ شيئا فتطيب من طيب المرأة وصادف أنه كان فيه صفرة فاستباح القليل منه عند عدم غيره جمعا بين الدليلين وقد ورد الامر في التطيب للجمعة ولو من طيب المرأة فبقى أثر ذلك عليه * رابعها كان يسيرا ولم يبق الا أثره فلذلك لم ينكر * خامسها وبه جزم الباجي أن الذي يكره من ذلك ما كان من زعفران وغيره من أنواع الطيب وأما ما كان ليس بطيب فهو جائز * سادسها أن النهى عن التزعفر للرجال ليس على التحريم بدلالة تقريره لعبد الرحمن بن عوف في هذا الحديث سابعها أن العروس يستثنى من ذلك ولا سيما إذا كان شابا ذكر ذلك أبو عبيد قال وكانوا يرخصون للشاب في ذلك أيام عرسه قال وقيل كان في أول الاسلام من تزوج لبس ثوبا مصبوغا علامة لزواجه ليعان على وليمة عرسه قال وهذا غير معروف (قلت) وفى استفهام النبي صلى الله عليه وسلم له عن ذلك دلالة على أنه لا يختص بالتزويج لكن وقع في بعض طرقه عند أبي عوانة من طريق شعبة عن حميد بلفظ فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فرأى على بشاشة العرس فقال أتزوجت قلت تزوجت امرأة من الأنصار فقد يتمسك بهذا السياق للمدعى ولكن القصة واحدة وفى أكثر الروايات أنه قال له مهيم أو ما هذا فهو المعتمد وبشاشة العرس أثره وحسنه أو فرحه وسروره يقال بش فلان بفلان أي أقبل عليه فرحا به ملطفا به واستدل به على أن النكاح لا بد فيه من صداق لاستفهامه على الكمية ولم يقل هل أصدقتها أولا ويشعر ظاهره بأنه يحتاج إلى تقدير لاطلاق لفظ كم الموضوعة للتقدير كذا قال بعض المالكية وفيه نظر لاحتمال أن يكون المراد الاستخبار عن الكثرة أو القلة فيخبره بعد ذلك بما يليق بحال مثله فلما قال له القدر لم ينكر عليه بل أقره واستدل به على استحباب تقليل الصداق لان عبد الرحمن ابن عوف كان من مياسير الصحابة وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على اصداقه وزن نواة من ذهب وتعقب بأن ذلك كان في أول الأمر حين قدم المدينة وانما حصل له اليسار بعد ذلك من ملازمة التجارة حتى ظهرت منه من الإعانة في بعض الغزوات ما اشتهر وذلك ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له كما تقدم واستدل به على جواز المواعدة لمن يريد أن يتزوج بها إذا طلقها زوجها وأوفت العدة لقول سعد بن الربيع انظر أي زوجتي أعجب إليك حتى أطلقها فإذا انقضت عدتها تزوجتها ووقع تقرير ذلك ويعكر على هذا أنه لم ينقل أن المرأة علمت بذلك ولا سيما ولم يقع تعيينها لكن الاطلاع على أحوالهم إذ ذاك يقتضى انهما علمتا معا لان ذلك كان قبل نزول آية الحجاب فكانوا يجتمعون ولولا وثوق سعد بن الربيع من كل منهما بالرضا ما جزم بذلك وقال ابن المنير لا يستلزم المواعدة بين الرجلين وقوع المواعدة بين الأجنبي والمرأة لأنها إذا منع
(٢٠٤)