بغيرك انك كنت حديثا " من عرض الناس فكنت تعيب بذخ (1) الملوك وتجبرهم في سلطانهم وتكبرهم على رعيتهم وتسرعهم إلى السطوة و افراطهم في العقوبة وتركهم العفو والرحمة وسوء ملكتهم ولؤم غلبتهم وجفوتهم لمن تحت أيديهم وقلة نظرهم في امر معادهم وطول غفلتهم عن الموت وطول رغبتهم في الشهوات وقلة ذكرهم للحسنات وقلت تفكرهم في نقمات الجبار وقلة انتفاعهم بالعبر وطول أمنهم للغير و قلة اتعاظهم بما جرى عليهم من صروف التجارب ورغبتهم في الاخذ وقلة اعطائهم الواجب وطول قسوتهم على الضعفاء والايثار والاستيثار والاغماض ولزوم الاصرار وغفلتهم عما خلقوا له واستخفافهم بما عملوا وتضييعهم لما حملوا أفنصيحة كان عيب ذلك منك عليهم واستقباحا " منهم أو نفاسة (2) لما كانوا فيه عليهم فإن كان ذلك نصيحة فأنت اليوم أولى بالنصيحة لنفسك وان كانت نفاسة فهل معك أمان من سطوات الله أم عندك منعة تمتنع بها من عذاب الله أم استغنيت بنعم الله عليك عن تحرى رضاه أو قويت بكرامته إياك عن الاصحار لسخطه والاصرار على معصيته أم هل لك مهرب يحرزك منه أم لك رب غيره تلجأ اليه أم هل لك صبر على احتمال نقماته أم أصبحت ترجو دائرة من دوائر الدهر تخرجك من قدرته إلى قدرة غيره فأحسن النظر في ذلك لنفسك واعمل فيه عقلك وهمك وأكثر عرضه على قلبك واعلم أن الناس ينظرون من امرك مثل ما كنت تنظر فيه من امر من كان في مثل حالك من قبلك ويقولون فيك مثل ما كنت تقول فيهم انظر أين الملوك وأين ما جمعوا مما عليهم به دخلت المعايب وبه قيلت فيهم الأقاويل ماذا شخصوا به معهم منه و ماذا بقي لمن بعدهم واذكر حالك وحال من تقدمك ممن كان في مثل
(٣١٤)