الطبيعية التي هي سبب الألفة والانقياد وذلك ما أدب (1) الله تعالى نبيه بالآداب الصلاحية فقال عز من قائل: واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين (2) ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الامر (3) كل ذلك طلب للانس واستجلاب للمحبة وحسن الألفة، واما الانقياد فتابع لحصول الألفة لأنهم بعدها إذا لمحوا كماله الخالين عنه وتمامه الفارغين منه انقادوا تحت أوامره بقلوب صافية وسلموا أنفسهم إليه بنيات صادقة الا من لم يؤثر التودد في أدمة (4) قلبة ولم يجد التلطف سبيلا إلى خالص لبه لتقدم حقد وضغينة أو غيرها من الأسباب القدرية، وإذ كان كذلك فحيث حصل ما يضاد ما ذكرنا من الأسباب التي يجب بها أو معها السؤدد لزم ان لا تكون تلك الأسباب حاصلة وبانتفائها ينتفى السؤدد الذي هو معلولها.
واعلم أن الانتقام بالمعنى الأول وان حصلت منه للطباع نفرة وكان مثيرا للقوة الغضبية لكنه لما كان ذلك موافقا لرسم الشريعة والتأديبات الصلاحية وقد تطابقت عليه المقالات النبوية وكانت أذهان الخلق تمرنت عليه بحسب تعويد الشرائع وانغرس فيها وجوبه حتى انقادت نفوسهم وأذعنت للاعتراف به وكان ذلك لا يصدر الا بحسب جناية متعارفة القبح (5) بيتهم لم يكن ذلك منافيا للسؤدد بل كان من متمماته وواجباته، إذ كان سببا عظيما من أسباب بقاء النوع الانساني فلو حصلت بسببه نفرة من المنتقم منه أو ممن يتعلق به ممن عليه الاحتشام وحب (6) الحياة عن (7) الانقياد للعقوبات الشرعية لكن ذلك أمرا جزئيا غير ملتفت إليه ولا قادح في سيادة المنتقم إذ كانت شوكة القوى الغضبية من الخلق مقهورة بسيف الشريعة قد تقاصرت وتحاشت عن مقابلة أمر سماوي لمعاضدة (8)