عن قريب أو بعيد خطاؤه وانه قد ضيع حزما واتبع هواه، ولو فرض ان مطلوبه حصل لم يعد أيضا في عرف العقلاء مصيبا، إذ كان كالسالك لطريق كثيرة المخاوف غير عالم بمراحلها ومنازلها وغير مطلع على آفاتها ومخاوفها فهو لا يدرى على ما يقدم فإذا وصل إلى غايته من ذلك السلوك سالما فان أحدا من العقلاء لا يقول: انه مصيب بل يطبقون على ذمه وتوبيخه ويعدونه متهورا مغرورا بنفسه (1) مضيعا لها، وذلك بخلاف حال المواظب على المشورة فإنه يعد في عرف العقلاء مصيبا وان لم يحصل مطلوبه، إذ كان كالسالك لسبيل يعلم أحوالها وانها آمنه فيتفق له عند سلوكه لها لص اتفاقا فان أحدا من العقلاء لا يقول: انه مخطئ (2) في سلوكه لها.
وفى هذه الكلمة تنبيه على وجوب الاستشارة فان كلمة العقلاء قد تطابقت على ذم تاركها ومدح طالبها، وان الأول مخطئ وان أصاب، وان الثاني مصيب وان خاب، واتفقوا على أنه يجب على كل ذي حزم (3) مراجعة من هو فوقه أو دونه في المنزلة فان الفضل لن يكمل (4) لاحد ولن يختص به أحد وان الرأي الفرد لا يكتفى به في الأمور الخاصة ولا ينتفع به في الأمور العامة، واتفقوا على مدح الرأي الصائب وتفضيل صاحبه ووجوب الاستعانة به في الأمور وذلك لشدة عقليته (5) لها وحسن استنباطه للرأي فيما ينبغي ان يفعل من الأمور المصلحية وفى هذا المعنى يقول أبو الطيب المتنبي، شعر:
الرأي قبل شجاعة الشجعان * هو أول وهي المحل الثاني فإذا هما اجتمعا لنفس مرة * بلغت من العياء كل مكان ومن أمثال العرب في مدح الرأي قوله عليه السلام: رأى الشيخ خير من مشهد