بالمشاورة في الأمور والاطلاع على بعض الاسرار التي لا تضر إذاعتها ليتم بذلك أنس المستشار وتسكن نفسه ان لو كان لها نفار وتنبسط ولا تنقبض قال عز من قائل تأديبا لنبيه بالأدب الجميل: وشاورهم في الامر (1) ولتوسع (2) المفاكهة (3) المحبوبة والمزاح المستعذب الذي يقدره العقل حتى لا يتجاوز إلى الاسراف فيها فيسمى ذلك الاسراف مجونا وفسقا وخلاعة وشبهها من أسماء الذم، ولا يقصر فيه فيسمى ذلك القصور فدامة (4) وعبوسا وشكاسة وما أشبهها من طرف التفريط المذموم بل يتوسط بينهما فيسمى ذلك المتوسط ظريفا معاشرا هشا بشا، وإذا عرفت ان المشورة من اجل أسباب تحصيل الانس المطلوب من الخلق عرفت انها مطلوبة.
ثم إنه عليه السلام نبه على وجوب اتخاذها والمواظبة عليها بأنه لا صواب في فعل يفعل بدونها لما ان تصرفات الخلق اما أقوال أو أفعال، وإذا كان الجميع موقوفا على المشورة بأمره وإشارته فلابد وان يستجيبوا عند دعائه لهم إليها فتارك المشورة إذا مخطئ إذ ضيع سببا عظيما من أسباب الفضائل التي يجب طلبها، والمخطئ غير مصيب فتارك المشورة غير مصيب وان تصور بصورة المصيب.
الثاني - ان تارك المشورة في أموره غير مصيب في أغلب أفعاله ومقاصده فهو إذا أخطأ كان ملوما ولعله يكون مأثوما، إذ كان المستشار العاقل كثيرا ما يكون مطلعا على وجوه من مصالح ذلك الفعل المستشار فيه اما بحسب تجربته أو بحسب قوة عقله وجودة حدسه بحيث لا يكون مثل ذلك الاطلاع حاصلا للمستشير والسبب الأكثري في الغلط ان الوهم الانساني في غالب الأحوال وأكثرها لابد وان يحكم بترجيح أحد طرفي الامر المتردد فيه المطلوب فيه الاستشارة بغتة (5) قبل مراجعة العقل وإنما كان الصواب في الطرف الآخر عند الفكر والتحديق فإذا (6) فعل بين (7) له بعد ذلك