صناعية لا يمكن ان يقوم بها صانع واحد الا في مدة لا يمكن ان يبقى بدونها أو يتعسر ان أمكن بل لابد من جماعة يتشاركون ويتعاونون على تحصيل تلك المنافع ويتعارضون ويتعاوضون وكان هذا التعاون لا يتم الا ان بان يكون بينهم انس طبيعي قضاء للعناية الإلهية بهذا العالم ومنه اشتق اسم الانسان في اللغة فواجب على الانسان إذا ان يكتسبه مع أبناء الجنس ويحرص عليه بالجهد والطاقة ولأنه أيضا مبدأ المحبة الواجبة التي هي سبب السعادتين إذ كان كل شخص يرى كماله عند الاخر فلولا ذلك لم يتم السعادة بينهم فيكون كل انسان بمنزلة عضو من أعضاء البدن وقوام الانسان بتمام بدنه، وإنما وضعت الشريعة والعادة الجميلة اتخاذ (1) الدعوات والاجتماع في المأدبات (2) لتحصيل هذا الانس بل لعل الشريعة إنما حثت الناس على الاجتماع في المساجد وفضلت صلاة الجماعة على الصلاة المنفردة ليحصل لهم هذا الانس بالفعل إذ كان حاصلا فيهم بالقوة، ثم يتأكد فيهم بالاعتقادات الصحيحة الجامعة لهم وينبهك على أن مطلوب صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله ذلك أنه أوجب على أهل المدينة كلهم ان يجتمعوا في كل أسبوع يوما معينا في مسجد يسعهم ليجتمع أيضا شمل المحال والسكك كما اجتمع أهل الدور والمنازل في كل يوم، ثم أوجب ان يجتمعوا في كل سنة مرتين في مصلى بارزين مصحرين ليجمعهم المكان ويتزاوروا ويتجدد الانس بين كافتهم ويشملهم المحبة الناظمة لهم. ثم أوجب بعد ذلك أن يجتمعوا من البلدان في العمر كله مرة واحدة في الموضع المقدس بمكة ولم يعين من العمر وقتا مخصوصا ليتسع لهم الزمان فيجتمع أهل المدن البعيدة كما اجتمع أهل المدينة والواحدة ويصير (3) حالهم في الانس والمحبة وشمول الخير وإفاضة الرحمة والسعادة بحسب انفعالات نفوسهم واستعدادها الصادرة عن ذلك الاجتماع على غاية من الكمال لا يحصل لهم بدونه وكان هذا الانس لا يتم الا بالحديث المستطاب
(٢٠٣)