أول كتابنا هذا أنا نغفل الكلام عليها لان جماعة من علماء الشريعة واللغة قد سبقونا إلى استقصاء القول فيها، وإنما نذكر منها ماله دخول في باب الاستعارة بجهة من الجهات، إلا أنا نتكلم على هذا الخبر هاهنا لضرب من الاستظهار، فنقول: إن كان نقله صحيحا فله وجه في كلام العرب يسوغ حمله عليه ورده إليه مما يوافق صفات الله سبحانه الذي لا يشبه الخلق التي خلقها، والبرايا التي براها، وصورها وهو: أن الإصبع في كلام العرب اسم للأثر الحسن التي تظهر سمته وتشهر علامته، يقال لفلان في ماله إصبع حسنة أي قيام محمود وأثر جميل. وعلى ذلك قوله الراعي (1) يصف راعيا لابله.
ضعيف العصا بادي العروق ترى له * عليها إذا ما أجدب الناس إصبعا أي ترى له عليها أثرا حسنا، وقد قيل أيضا: إن المراد بذلك إشارة الناس إليها بالأصابع لحسنها وشارتها. وقوله: ضعيف العصا، يريد أنه لا يكثر ضربها، ولا يعتنف بها، وذلك أجدر بأن تشحم أبدانها، وتغزر ألبانها، ومثل هذا قول الشاعر الآخر، وقد تقدم ذكره:
عليها شريب وادع لين العصا * يساجلها جماته وتساجله وأنشد الخليل بن أحمد في كتاب العين لبعض العرب:
أغر كضوء البدر في كل منكب * من الناس نعمى يحتذيها وإصبع