القرى فيملكون بلادهم، ويغتنمون أموالهم، فكأنهم لهذه الأحوال يأكلونهم، وخرج هذا القول على طريقة للعرب معروفة، لأنهم يقولون: أكل فلان جاره إذا عدا عليه، فانتهك حرمته، واصطفى حريته، وعلى ذلك قول علقمة بن عقيل بن علفة لأبيه في أبيات:
أكلت بنيك أكل الضب حتى * وجدت مرارة الكلأ الوبيل ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام في غزوة الحديبية:
" ويح قريش لقد أكلتهم الحرب " يريد أنها قد أفنت رجالهم، وانتهبت أموالهم، فكانت من هذا الوجه كأنها آكلة لهم. قال ذلك عليه الصلاة والسلام في حديث طويل، والمراد بقوله عليه الصلاة والسلام: " تنفى الخبث كما ينفى الكير خبث الحديد " أن أهلها يتمحصون فينتفى عنها الأشرار، ويبقى فيها الأخيار، ويقارقها الاخلاط والأوشاب (1)، ولا يصبر عليها إلا الصميم واللباب، فتكون بمنزلة الكير الذي ينفى الأخباث والأدران، ويخلص المصاص (2) والنضار. وهذا أيضا مجاز ثان. وقد ورد هذا الخبر بلفظ آخر ذكره عمر بن عبد العزيز، قال: سمعنا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: " المدينة تنفى خبث الرجال كما ينفى