فقط فهذا من المؤيدات القوية لما استظهرناه من أن دليل نفى الضرر لا يدل على نفى هذه الأحكام لا بمعناه المطابقي ولا بالأولوية القطعية، واليك بعض ما حضرني من كلماتهم عاجلا ولابد من التتبع والتأمل لكي يظهر حقيقة الحال.
قال شيخ الطائفة في المسألة 110 من كتاب الطهارة في باب أحكام الجبائر:
(انه إذا خاف التلف من استعمال الماء أو الزيادة في العلة يمسح عليها، ثم قال: دليلنا قوله تعالى (ما جعل عليكم في الدين من حرج) وايجاب نزع الجبائر فيه حرج، ثم استدل بالاجماع وببعض الاخبار ولم يستدل بقاعدة لا ضرر، ومثله استدلاله في غير واحد من مسائل التيمم فراجع.
وقال المحقق في (المعتبر) في مسألة خوف زيادة المرض أو بطؤ برئه أو ظهور الشين في الأعضاء انه يجوز التيمم في هذه الحالات ثم استدل له بقوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج وغيره من الأدلة ولم يستدل بهذه القاعدة.
وكذا العلامة قد استدل في (التذكرة) بجواز التيمم عند خوف الشين في البدن باستعمال الماء بقوله تعالى: ما جعل عليكم في الدين من حرج، ولم يستند إلى قاعدة نفى الضرر.
وأفتى صاحب المدارك في مسألة من وجد الماء بثمن يضر بالحال بجواز التيمم، وذكر في تأييد هذه الفتوى بعد الاستدلال بالروايات بقوله: ما جعل عليكم في الدين من حرج وقوله: يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر، وهكذا في غير واحد من موارد الضرر في أبواب التيمم استدل بقاعدة نفى الحرج ولم يتعرض لقاعدة نفى الضرر أصلا.
فهؤلاء الاعلام وغيرهم رضوان الله عليهم مع استنادهم غالبا في أبواب المعاملات مثل مسألة خيار الغبن وغيرها بقاعدة نفى الضرر لا يستندون إليها - فيما حضرنا من كلماتهم - في أبواب العبادات الضررية وغيرها من التكاليف التي تكون من حقوق الله ولا ترجع إلى معاملة الناس بعضهم ببعض، وأظن أن الاستناد بهذه القاعدة في هذه الأبواب نشأ بين المتأخرين أو متأخري المتأخرين من الأصحاب، وقد عرفت ان القرائن