اما المعنى الرابع فغاية ما يمكن ان يقال في توجيهه ما ذكره شيخ الشريعة الأصفهاني في رسالته، فإنه (قده) انتصر له بأوفى البيان واتى بما لا مزيد عليه واليك نص عبارته:
(ان حديث الضرر محتمل عند القوم لمعان: أحدها ان يراد به النهى عن الضرر، فيكون نظير قوله تعالى: لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج وقوله تعالى: فإن لك ان تقول في الحياة لا مساس، أي لا يمس بعض بعضا فصار السامري يهيم في البرية مع الوحش والسباع لا يمس أحدا ولا يمسه أحد، عاقبه الله تعالى بذلك وكان إذا لقى أحدا يقول: لا مساس أي لا تقربني ولا تمسني، ومثل قوله صلى الله عليه وآله لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام، وقوله لا جلب ولا جنب ولا اعتراض، وقوله لا اخصاء في الاسلام ولا بنيان كنيسة وقوله لا حمى في الاسلام، وقوله ولا مناجشة، وقوله لا حمى في الأراك، وقوله لا حمى الا ما حمى الله ورسوله، وقوله لا سبق الا في خف أو حافر أو نصل، وقوله لا صمات يوم إلى الليل، وقوله لا صرورة في الاسلام، وقوله لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وقوله لا هجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيام وقوله لا غش بين المسلمين.
هذا كله مما في الكتاب والسنة النبوية، ولو ذهبنا لنستقصي ما وقع من نظائرها في الروايات واستعمالات الفصحاء نظما ونثرا لطال المقال وادى الملال، وفيما ذكرنا كفاية في اثبات شيوع هذا المعنى في هذا التركيب، أعني تركيب (لا) التي لنفى الجنس وفى رد من قال في ابطال احتمال النفي ان النفي بمعنى النهى وإن كان ليس بعزيز الا انه لم يعهد من مثل هذا التركيب).
ثم ذكر في تأييد هذا المعنى في كلام له في غير المقام ما نصه: ولنذكر بعض كلمات أئمة اللغة ومهرة أهل اللسان تراهم متفقين على إرادة النهى لا يرتابون فيه ولا يحتملون غيره، ففي (النهاية الأثيرية): قوله لا ضرر أي لا يضر الرجل أخاه فينقصه شيئا من حقه، والضرار فعال من الضرر أي لا يجازيه على اضراره بادخال الضرر عليه، وفى (لسان العرب) وهو كتاب جليل في اللغة في عشرين مجلدا معنى