عنه دام علاه في كلام طويل له في المقام.
ولكن لا يخفى على المتأمل انه لا يمكن عد هذا معنى آخر للحديث بل يؤل إلى المعنى الثالث من المعاني السابقة الذي اختاره شيخ الشريعة الأصفهاني قدس الله سره الشريف (من إرادة النهى من هذه الفقرة) غاية الأمر ان ظاهر القائلين بهذا المعنى هو النهى التشريعي على وزان ساير الأحكام الشرعية ومفاد هذا البيان كونه سنخا آخر من النهى سماه نهيا سلطانيا، ومن المعلوم انه لا يظهر ثمرة بينهما بعد وجوب امتثال كل منهما على جميع الأمة بلا تفاوت في ذلك، والظاهر أنه دام علاه أيضا ليس بصدد ذلك بل بصدد بيان تقريب آخر في اثبات كون (لا) بمعنى النهى لا النفي خلافا للعلامة الأنصاري قدس الله سره واتباعه، فلا يكون هذه القضية ناظرة إلى نفى الأحكام الضررية وحاكمة عليها ولا يجوز الاستدلال بها لنفى الأحكام الضررية مطلقا ومع ذلك يرد عليه أولا - ان كون (لا) هنا ناهية خلاف التحقيق كما مر بيانه مشروحا وثانيا - انه إن كان مراده من مقام سلطنة النبي صلى الله عليه وآله ان له تشريعا كتشريع الله في الأحكام الكلية على الموضوعات الكلية كالسلاطين في سابق الأيام - وان كانت سلطنته حقة - أعطاه الله ذلك رعاية لمقامه السامي، فهذا كما ترى ولا يظن أن يكون هذا مراده.
وان أراد ان له مقام ولاية الامر والحكومة الشرعية بمعنى ان (الأمور الخاصة الجزئية) التي ترتبط بمصالح الأمة، مما لا تندرج تحت ضابطة كلية، كنصب الولاة و امراء الجيوش وعمال الصدقات وغيرها من أمثالها، كلها بيده وان تطبيق هذه الأمور على ما يراها مصلحة للعباد وتشخيص مصاديقها موكول إلى نظره الشريف فهو وإن كان من مقاماته قطعا، الا انه لا يشمل مثل (الضرر والضرار) وما أشبههما (من الموضوعات الكلية) التي لها في الشرع حكم كلى لا محالة وليست من سنخ تلك الأمور الخاصة التي لا تنضبط تحت قاعدة كلية يرد فيها حكم كلى كما هو ظاهر.
وبعبارة أخرى: ان مقام السلطنة والحكومة وان كانت من مقامات النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام، بل وحكام الشرع في الجملة بلا اشكال، الا انها تختص بأمور شخصية جزئية ترتبط بمصالح الأمة مما لا تندرج تحت ضابط كلى ولا يمكن تشريعها