بعد ثبوتها وتحققها ولو بطرق ظاهرية، مشتملة على مصالح جمة تكون بلحاظها نافعا محبوبا لا ضارا مبغوضا، وما نراه من الضرر أحيانا بادي الامر إنما هو لعدم علمنا بمنافعها ومصالحها، والا فالعالم بفوائد الخمس والزكاة والديات يراها لازمة ببداهة عقله و حكومة فطرته لما فيها من المصالح.
وثانيا - نمنع كون هذه الأحكام كلها أو جلها ضررية بنظر العرف والعقلاء، فإن أشباهها أو ما يقرب منها متداولة معروفة بينهم، يحكمون بها ويرونها حقا نافعا لا ضارا باطلا، فإنهم لا يزالون يحكمون بلزوم بذل الخراج أو العشور وان فيها صلاح المجتمع الذي يقوم صلاح الافراد بصلاحه ولا يحفظ منافعهم الا به، وقد استدل الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الارتكاز العقلائي في عهده المعروف إلى (مالك) حيث قال:
(فالجنود بإذن الله حصون الرعية وزين الولاة وعز المسلمين وسبل الامن وليس تقوم الرعية الا بهم، ثم لا قوام للجنود الا بما يخرج الله لهم من الخراج الذي يقومون به على جهاد عدوهم ويعتمدون عليه فيما يصلحهم).
وكذلك عندهم حدود وديات، يرون اجرائها صلاح المجتمع الذي يرتبط به صلاح كل فرد فرد منهم وان كانت في الانظار البادية الساذجة ضررية والحاصل ان جل هذه الأمور أو أشباهها موجودة عند العقلاء ولا يرون فيها ضررا بل يرونها نافعة، والقول بان العرف بالنظر البادى يحكم بكونها ضررية فيشملها قاعدة لا ضرر، ساقط جدا، لأن العرف لو حكم بكونها مصاديق للضرر من باب المسامحة لا يلزمنا متابعته بعد ما يحكم بعدم كونها كذلك بعد تكرارا النظر، وبالجملة الصغرى في جل الأمثلة المذكورة ممنوعة فإن بقي هناك موارد يصدق عليها عنوان الضرر بالنظر الغير المسامحي العرفي فلا شك انها طفيفة لا يلزم منها تخصيص الأكثر.
واما ما افاده العلامة الأنصاري من كفاية الخروج بعنوان واحد في دفع محذور تخصيص الأكثر، وما ذكره (المحقق الخراساني) من أن ذلك إنما يصح إذا كان ما تحت العام هي العناوين لا الافراد، فكلاهما ممنوعان، لما حققناه في محله من استهجان التخصيص ببعض مراتبه وإن كان بعنوان واحد أو كان ما تحت العام هي العناوين لا الافراد،