تفسير الحديث.
بيان ذلك: ان ظاهر هذه الفقرة نفى وجود الضرر والضرار بين المكلفين، ولكن عدم صدق هذا المعنى في الخارج، مضافا إلى قرينة المقام، وهو كونه صلى الله عليه وآله بصدد بيان الحكم الشرعي والقضاء بين الأنصاري وسمرة بن جندب، يكون شاهدا على أنه كناية عن عدم امضاء هذا الفعل الضرري في الشريعة لا وضعا ولا تكليفا، فكأنه إذا لم يمضه لا يرى منه عين ولا اثر في محيط التشريع، وان هو الا نظير قول الرجل لخادمه لا يكون: في بيتي الخيانة والكذب وقول الزور، يعنى ان هذه الأمور غير مجازة عندي فكأني لا أرى منها عينا ولا اثرا، فنفى هذه الأمور كناية عن نفى امضائها وعدم ترخيصها بوجه من الوجوه وكذا الكلام في أشباهه مثل قوله: لا رهبانية في الاسلام ولا اخصاء في الاسلام حيث إن المنفى فيها أيضا نفس هذه الأفعال ولكنه تفيد نفى الترخيص والامضاء بأبلغ الوجوه كما هو الشأن في جميع الكنايات.
ومن ذلك تعرف ان مفاد الحديث لا ينحصر في النهى التكليفي عن الاضرار بالغير بل يعمه والأحكام الوضعية، فكما ان دخول سمرة بن جندب على الأنصاري بغير استيذان منه ضرر منهى عنه تكليفا فكذلك البيع الغبني إذ وقع على وجه اللزوم بنفسه مصداق للضرر والاضرار فهو أيضا غير ممضى من ناحية الشرع وعدم امضائه يساوق عدم نفوذه وتأثيره.
وهذا المعنى المختار وان وافق ما ذهب إليه الأكثر من حيث النتيجة في أكثر نواحيها الا انه يفارق عنه في أبواب العبادات الضررية من الوضوء والصوم الضرريين و ما ضاهاهما، فعلى مختاريهم يمكن نفى وجوبهما بهذه القاعدة ولكن على المختار لا يمكن لعدم أوله إلى الضرر والاضرار بين الناس وقد عرفت ان الفاعل للضرر المنفى هو الناس لا الشارع المقدس وهذا فرق ظاهر بين المذهبين من حيث النتيجة، فلا تغفل.
لا يقال -: ان قوله لا ضرر ولا ضرار وان لم يكن ناظرا إلى غير الضرر الناشئ من أفعال المكلفين، من المضار الناشئة من أحكامه تعالى، الا انه يمكن استفادة حكمه منه بالأولوية القطعية فإن الشارع إذا نهى عن اضرار الناس بعضهم ببعض ومن عليهم بهذا