وقد كان بعض سادة أساتذتنا يقول في بحثه في غير هذه المسألة ببعض المناسبات:
(ان كل ما يكون تحت أيدينا من الأرض والدار وشبههما قد جرت عليها من أول يوم احيائها أيدي أناس كثير لا يعلمهم الا الله، وهل يظن كون جميع الأيدي الجارية على كل عين منها مالكة أمينة غير عادية)؟ ومن الواضح ان واحدة منها في سلسلتها الطولية إذا كانت عادية لم تكن تلك العين مملوكة لمالكها الفعلي واقعا الآن، وان كانت ملكا له ظاهرا.
وأوضح من هذا كله حال أموال الناس واملاكهم في زماننا هذا، الذي غلب عليه وعلى أهله الجور والاعتداء، يتقلب كل على غيره ويتملك أمواله له يوما بعنوان القهر والظلم، ويوما بعنوان بسط العدل والمساواة، ويوما تحت عنوان اجراء أصول الاشتراكية، ويوما بالربا، ويوما بالغش في المعاملة ويوما بالرشاء وبأشكال كثيرة اخر.
وان أبيت عن جميع ذلك وقلت بغلبة الأيدي الأمينة على العادية في جميع ما ذكرنا، فافرض نفسك في صقع من الأصقاع وبلد من البلاد تكون الأيدي المالكة متساوية مع الأيدي الخائنة، فهل ترى من نفسك اسقاط اليد عن دلالتها على الملكية مطلقا وتعامل مع جميع الأموال التي بأيدي الناس هناك معاملة مجهول المالك، وهل يساعدك العقلاء وأهل العرف على ذلك، لو قلت به؟!
هذا ولا غرو أن يكون هناك امارة لا تدور مدار الغلبة، وان تعجب فعجب قولهم بحجية أصالة الحقيقة وتقديمها على احتمال المجاز، ولو كان الاستعمال المجازى بالنسبة إلى بعض الألفاظ أغلب من استعماله الحقيقي، فهل ترى فرقا بينه وبين ما نحن فيه، والسر فيه أيضا هو ان دلالة اللفظ على المعنى الحقيقي إنما هي بمقتضى طبعها الأولى، و شرحه في محله.
وهكذا الحال في أصالة السلامة، الدائرة بين العقلاء، فإنها ليست من استصحاب الثابت حجيته بمقتضى اخبار لا تنقض، بل هي حجة من باب الظن الحاصل من مقتضى طبع الانسان، فإنه يقتضى الصحة والسلامة، ولا ينافي ذلك مساواة المرضى والسالمين أحيانا.